واعلم أن في حديث الصحيحين عن عائشة قالت : فرضت الصلاة ركعتين فأقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر وفي رواية قال الزهري : قلت لعروة فما بال عائشة تتم في السفر ؟ قال إنها تأولت كما تأول عثمان .
وقد أخرج البيهقي والدارقطني بسند صحيح عن عروة عن أبيه عن عائشة أنها كانت تصلي في السفر أربعا فقلت لها : لو صليت ركعتين فقالت : يا ابن أخي إنه لا يشق علي فالمعنى أنها تأولت أن الإسقاط مع الحرج وفي صحيح البخاري عن ابن عمر : صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلّم في السفر أربعا فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله تعالى وصحبت عثمان فلم يزد حتى قبضه الله تعالى وقد قال تعالى : { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } ( 1 ) قال ابن الهمام وهو معارض للمروي منه أن عثمان كان يتم والتوفيق أن إتمامه المروي كان حين إقامته بمنى أيام منى ولا شك أن حكم السفر مستمر على إقامة أيام فساغ إطلاق أنه أتم في السفر ثم كان ذلك منه بعد مضي الصدر من خلافته لأنه تأهل بمكة على ما رواه أحمد أنه صلى بمنى أربع ركعات فأنكر الناس عليه فقال : يا أيها الناس إتي تأهلت بمكة مذ قدمت وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول : " من تأهل في بلد فليصل صلاة المقيم " ( 2 ) .
وبه ( عن حماد عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت : تصدق ) بصيغة المجهول لماضي ( على بريرة ) وهي جارية عائشة واختلف أنها قبطية أو حبشية ( بلحم ) نائب الفاعل ( فرآه النبي صلى الله عليه وسلّم فقال : هو ) أي اللحم ( لها صدقة ولنا هدية ) وأصل الحديث في الصحيحين وفيه أنه E قدم له خبز واعتذر بأنه ما عندهم من إدام فقال E ألم أر البرمة فيها لحم .
ولعل سبب سؤاله مع أنه كان متعتقا في حاله ومقوضا في مقام كماله اعتقادهم أنه لا يحل له ولو بعد تملكه بنحو هبة فأراد بيان سنته وهي أنه إذا ملك المتصدق عليه الصدقة حل له أكلها هدية وهم ظنوا خلاف ذلك إذا رآهم لم يقدموه إليه مع علمه أنهم لا يستأثرون به عليه فبين لهم ما جهلوه من حكم لديه بقوله هو لها صدقة ولنا هدية ففيه مبادلة معنوية اختيارية واختلاف جبلية اعتبارية فإن هذا اللحم بإهدائها إياه له انتقل من حكم تصدقه إلى حكم الهبة كما لو اشتراه غني منها أو ورثه عنها .
_________ .
( 1 ) الممتحنة 6 .
( 2 ) شرح فتح القديرح / 396 باب صلاة المسافر