وبه ( عن حماد عن إبراهيم قال : أخبرني شيخ من أهل المدينة عن زيد بن ثابت ) أي الأنصاري كاتب النبي صلى الله عليه وسلّم وكان له حين قدم النبي E المدينة إحدى عشرة سنة وكان أحد فقهاء الصحابة الأجلة العالم بعلم الفرائض .
وفي الحديث وأفرض أمتي زيد بن ثابت رواه الحاكم عن أنس وهو أحد من جمع القرآن وكتبه في خلافة أبي بكر ونقله من المصحف في زمن عثمان روى عنه خلق كثير مات بالمدينة سنة خمس وأربعين وله ست وخمسون سنة ( أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلّم فقال : هل تزوجت يا زيد قال لا قال تزوج تستعف مع عفتك ) أي تستزيد العفة على العفة ( ولا تزوجن ) أي البتة ( خمسا ) أي من النسوة ( قال : ماهن قال : لا تزوجن شهبرة ) بفتح شين معجمة وسكون هاء وفتح موحدة ( ولا نهبرة ) بوضع النون موضع الشين ( ولا لهبرة ) باللام بدل النون ( ولا هبدرة ) بفتح الهاء وسكون الموحدة ودال مهملة مفتوحة ( ولا لفوتا ) بفتح اللام وضم الفاء فواو ساكنة فوقية بعدها ألف مقصورة أو ممدودة .
( فقال زيد : يا رسول الله صلى الله عليه وسلّم لاأعرف شيئا مما قلت ) من غرائب مبانيها وعجائب معانيها ؟ ( قال : بلى تعرفها ) لتعريفها ( أما الشهبرة فالزرقاء البدينة ) بصيغة الفعلية أي السمينة كالمدينة ويحتمل أن يكون نسبة إلى البدن الزرقاء البدنية - زن كبود جشم فربه - فهذا ينبغي أن يشيبني من هويت السمان وفي القاموس الشهبر الضخم الرأس وامرأة شهبرة مسمنة وفيها باقية قوة وفي النهاية الشهبرة والشهربة العجوز الكبيرة ( وأما النهبرة فالطويلة المهزولة ) زاد في القاموس والمشرفة على الهلاك ( وأما الهبرة فالعجوز المدبرة ) أي إلى ورائها المعبر عنها بالمقطعة ولم يذكر صاحب القاموس هذه المرأة ولا صاحب النهاية ( وأما الهبدرة فالقصيرة الذميمة ) بالدال المهملة أي القبيحة بالمعجمة هي المذمومة بأن تكون في غاية القصر لا سيما إذا كانت في نهاية من السمن ( فتكون كالمربعة ) وفي النهاية الهبدرة بالعجوز وبا اجكمة الكثيرة الكلام ( وأما اللفوت فذات الولد من غيرك ) فهي لا تزال تلتفت إليه وتشتغل به عن الزوج وكذا في النهاية وقيده به لأن الولد منه يوجب زيادة المحبة له قال الشيباني : بفتح الشين المعجمة وسكون التحتية فموحدة بعدها ألف فنون نسبة إلى شيبان بن ذهل بن ثعلبة كذا في طبقات الحنيفة ( حكى أبو حنيفة من هذا الحديث طويلا ) أي زمانا كثيرا في مجلس أو مجالس والله أعلم .
والحديث رواه الديلمي عن أبي هريرة ولفظه تزوج تزد عفة إلى عفتك ولا تزوج خمسة لا شهبرة ولا لهبرة ولا نهبرة ولا هبدرة ولا لفوتا قال : يا رسول الله صلى الله عليه وسلّم ما أدري ما قلت شيئا ؟ قال : لستم عربا أما الشهبرة فالطويلة المهزولة وأما اللهبرة فالزرقاء البدينة وأما النهبرة فالقصيرة الذميمة وأما الهبدرة فالعجوز المدبرة وأما اللفوت فهي ذات الولد من غيرك في الجامع الكبير لشيخ مشايخنا جلال الدين السيوطي C .
وبه ( عن حماد عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلّم لما مرض المرض ) بالنصب على أنه مفعول مطلق صفته ( الذي قبض فيه ) أي روحه ( خف ) أي بدنه ( من الوجع ) بفتحتين بأن سكن بعضه ( فلما حضرت الصلاة ) أي الجماعة ( قال لعائشة مري أبا بكر فليصل بالناس ) فإنه أولى من غيره في مقام الإيناس ( فأرسلت ) بصيغة المتكلم أو الغائبة ( إلى أبي بكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم يأمرك أن تصلي بالناس فأرسل إليها ) أي أبو بكر متعذرا عن النيابة مخاطبا إياها ( يا بنتاه ) بسكون الهاء على صيغة الندبة فإنه في مقام الاستغاثة والاستعانة ( إني شيخ كبير ) في العمر ( رقيق ) بالقلب ( وإني متى لا أرى رسول الله صلى الله عليه وسلّم في مقامه ) المكرم أرق بكسر الراء وتشديد القاف أي أضنى ( لذلك ) وأبكي لفقده E فيما هنالك ( فاجتمعي أنت وحفصة عند رسول الله صلى الله عليه وسلّم فيرسل إلي عمر ليصلي بهم ) فإنه أقوى قلبا مني فلعله يكفني هذا الأمر عني ( ففعلت ) أي ما ذكر أبي بموافقة حفصة ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنتن ) جمعا تعظيما لهما أو الخطاب يعمهما من غيرهما ( صواحب يوسف ) أي كصاحبات يوسف في دلالتكن في غير طريق الحق والصواب بعدم علمكن بحقيقة هذا الباب ( مري أبا بكر فليصل بالناس ) أي إماما لهم ( فلما نودي بالصلاة ) أي أقيم لها سمع النبي صلى الله عليه وسلّم المؤذن وهو بلال أو غيره ( وهو ) أي والحال أن المؤذن ( يقول حي على الصلاة ) أي أولا أو ثانيا والمعنى هلموا إليها واحضروا لديها ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم ارفعوني ) أي عن مقامي وأعينوني على قيامي ( فإني أريد أروح إلى الصلاة ) فإنها قرة عيني وراحة قلبي بلا ملال كما يشير إليه حديث أرحنا يا بلال فقالت عائشة ( قد أمرت ) أي أنت أو أنا بأمرك ( أبا بكر أن يصلي بالناس وأنت في عذر ) عند الله ثم قال ( ارفعوني فإنه جعلت قرة عيني ) أي لذة لذاتي وراحة حياتي ( في الصلاة ) أي في أدائها مع الجماعة فإنها مشيرة إلى مقام الجمع بين الواحدة والكثرة وإنها معراج الأرواح ومدراج الأشباح ( قالت عائشة : فرفع بين اثنين ) من خدامه ( وقدماه تخدان ) بضم الخاء المعجمة وتشديد الدال أي تخدعان أي تشحان وتوشران في الأرض من كمال ضعفه حال قيامه ( فلما سمع أبو بكر مجيء رسول الله صلى الله عليه وسلّم ) أي أدركه مجيئه وصوت رجله E ( تأخر ) أي قبل شروعه ( فأومأ ) بهمزتين أي فأشار ( إليه رسول الله صلى الله عليه وسلّم ) أي بعدم التأخر ( فجلس النبي صلى الله عليه وسلّم عن يسار أبي بكر ) أي لأنه جاء من جانب الحجرة وليقيم أبو بكر بمنزلة الواحد عن يمينه .
( وكان النبي A حذاءه ) أي قبالته متقدما عليه بعض التقديم ( يكبر ) أي تكبيرات الصلاة ( ويكبر أبو بكر بتكبير النبي A ) على هيئة المبلغ كما يفعله المؤذن في زماننا هذا ( ويكبر الناس بتكبير أبي بكر ) أي تبعا ( حتى فرغ ) أي النبي A ( لم يصل بالناس غير تلك الصلاة حتى قبض وكان أبو بكر الإمام ) فيما وراء ذلك من الأيام ( والنبي A وجع ) بفتح فكسر ( حتى قبض ) .
وقال الدمياطي : إن الصديق صلى بالناس سبع عشرة والحديث رواه الشيخان وأبو حاتم واللفظ له عن عائشة لما اشتد به A وجعه قال : مروا أبا بكر فليصل بالناس فقالت له عائشة يا رسول الله إن أبا بكر رجل رقيق وفي رواية أسيف إذا قام مقامك لا سمع الناس من البكاء قال مروا أبا بكر فليصل بالناس فعادته مثل مقالتها فقال إنكن صواحبات يوسف مروا أبا بكر فليصل بالناس .
وفي رواية للبخاري عنها قالت : لقد راجعته وما حملني على كثرة مراجعته إلا أنه لم يقع في قلبي أن يحب الناس بعده رجلا قام مقامه ابدا وإني كنت أرى أنه لن يقوم أحد مقامه إلا تشاءم الناس به .
وفي حديث عروة عن عائشة عند البخاري قالت : قلت لحفصة قولي له إن أبا بكر إذا قام في مقامك لم يسمع الناس من البكاء فمر عمر فليصل بالناس ففعلت حفصة فقال رسول الله A : من أنكس لأنتن صواحب يوسف مروا أبا بكر فليصل بالناس .
هذا وفي الصحيحين عن عائشة لما ثقل رسول الله A فقال : أصلى الناس ؟ قلنا لا هم ينتظرونك للصلاة قال : ضعوا لي ماء في المخضب ففعلنا فاغتسل فذهب لينوء فأغمي عليه ثم أفاق فقال لنا أصلى الناس : قلنا : لا هم ينتظرونك يا رسول الله قالت : والناس عكوف في المسجد ينتظرون رسول الله A لصلاة العشاء الآخرة قالت : فأرسل رسول الله A إلى أبي بكر أن تصلي بالناس فأتاه الرسول وكان أبو بكر رجلا رقيقا فقال : يا عمر صل أنت فقال عمر أنت أحق بذلك فصلى بهم أبو بكر ثم إن رسول الله A وجد من نفسه خفة فخرج يهادى بين رجلين لصلاة الظهر وأبو بكر يصلي بالناس فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر فأومأ إليه أن لا يتأخر وقال لهما : أجلساني إلى جنبه فأجلساه إلى جنب أبي بكر فكان أبو بكر يصلي وهو قائم بصلاة النبي A والناس يصلون بصلاة أبي بكر والنبي A قاعدا لكن روى الترمذي عن عائشة قالت صلى النبي A في مرضه الذي توفى فيه خلف أبي بكر قاعدا وقال : حسن صحيح .
وأخرج النسائي عن أنس : آخر صلاة صلاها رسول الله A مع القوم في ثوب واحد متوشحا خلف أبي بكر . قال ابن الهمام والجواب من وجهين أما أولا فلأنه لا يعارض ما في الصحيح وأما ثانيا فقد قال البيهقي : لا تعارض فالصلاة التي كان فيها إماما صلاة الظهر يوم السبت أو الأحد والتي كان فيها مأموما في الصبح من يوم الاثنين وهي آخر صلاة صلاها حتى خرج من الدنيا ويخالف هذا ما ثبت عن الزهري عن أنس في صلاتهم يوم الاثنين وكشف الستر ثم إرخائه فإنه كان في الركعة الأولى ثم إنه E وجد من نفسه خفة فأدرك معه الثانية قال فالصلاة التي صلاها أبو بكر مأموما صلاة الظهر وهي التي خرج فيها بين العباس وعلي والتي كان فيها إماما صلاة الصبح وهي التي خرج فيها بين الفضل بن عباس وغلام له حصل بذلك الجمع والله سبحانه وتعالى أعلم .
والحديث حجة لأبي حنيفة ومن تابعه خلافا لمحمد ومن وافقه ومذهب أحمد أنه شرع قائما ثم جلس صح اقتداء القائمين به وإن شرع جالسا فلا وظاهر الحديث دليل لأن الظن به E أنه كبر قبل الجلوس حيث كان قادرا عليه