" كان مؤمنا و " كان فاسقا " محمولان على لفظ من و " لا يستون " محمول على المعنى بدليل قوله تعالى : " أما الذين ءامنوا " " واما الذين فسقوا " ونحوه قوله تعالى : " ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك " محمد : 16 و " جنات المأوى " نوع من الجنان ؛ قال الله تعالى : " ولقد رآه نزله أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى " النجم : 15 سميت بذلك لما روي عن ابن عباس Bه قال : تأوي إليها أرواح الشهداء . وقيل : هي عن يمين العرش . وقرئ : جنة المأوى على التوحيد " نزلا " عطاء بأعمالهم . والنزل : عطاء النازل ثم صار عاما " فمأواهم النار " أي ملجؤهم ومنزلهم . ويجوز أن يراد : فجنة مأواهم النار أي النار لهم مكان جنة المأوى للمؤمنين ؛ كقوله : " فبشرهم بعذاب أليم " آل عمران : 21 ، التوبة : 34 ، الإنشقاق : 24 ، " العذاب الأدنى " عذاب القبر . و " العذاب الأكبر " عذاب الآخرة أي : نذيقهم عذاب الدنيا قبل أن يصلوا إلى الآخرة " لعلهم يرجعون " أي يتوبون عن الكفر أو لعلهم يريدون الرجوع ويطلبون . كقوله تعالى : " فارجعنا نعمل صالحا " السجدة : 12 وسميت إرادة الرجوع رجوعا كما سميت إرادة القيام قياما في قوله تعالى : " إذا قمتم إلى الصلاة " المائدة : 6 ويدل عليه قراءة من قرأ : يرجعون على البناء للمفعول . فإن قلت : من أين صح تفسير الرجوع بالتوبة ؟ ولعل من الله إرادة وإذا أراد الله شيئا كان ولم يمنع وتوبتهم مما لا يكون ألا ترى أنها لو كانت مما يكون لم يكونوا ذائقين العذاب الأكبر ؟ قلت : إرادة الله تتعلق بأفعال عباده فإذا أراد شيئا من أفعاله كان ولم يمتنع للأقتدار وخلوص الداعي . وأما أفعال عباده : فإما أن يريدها وهم مختارون لها أو مضطرون إليها بقسرة وإلجائه فإن أرادوها وقد قسرهم عليها فحكمها حكم أفعالها وغن أرادها على أن يختاروها وهو عالم أنهم لا يختارونها لم يقدح ذلك في اقتداره وإن أرادها على أن يختاروها وهو عالم أنهم لا يختارونها لم يقدح ذلك في اقتداره كما لا يقدح في اقتدارك إرادتك أن يختار عبدك طاعتك وهو لايختارها لأن اختياره لا يتعلق بقدرتك وإذا لم يتعلق بقدرتك لم يكن فقده دالا على عجزك . وروي في نزولها : أنه شجر بين علي بن أبي طالب Bه والوليد بن عقبة بن أبي معيط يوم بدر كلام فقال له الوليد : اسكت فإنك صبي : أنا أشب منك شبابا وأجلد منك جلدا وأذرب منك لسانا وأحد منك سنانا أشجع منك جنانا وأملأ منك حشوا في الكتبية . فقال له علي Bه : اسكت فإنك فاسق فنزلت عامة للمؤمنين والفاسقين فتناولتهما وكل كان في مثل حالهما . وعن الحسن بن علي Bهما : أنه قال للوليد : كيف تشتم عليا وقد سماه الله مؤمنا في عشر آيات ؟ وسمات فاسقا ؟ .
" ومن أظلم ممن ذكر بئايات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون " ثم في قوله : " ثم أعرض عنها " للاستبعاد . والمعنى : أن الإعراض عن مثل آيات الله في وضوحها وإنارتها وإرشادها إلى سواء السبيل والفوز بالسعادة العظمى بعد التذكير بها مستبعد في العقل والعدل كما تقول لصاحبك : وجدت مثل تلك الفرصة ثم لم تنتهزها استبعادا لتركه الإنتهاز . ومنه ثم في بيت الحماسة : .
لا يكشف الغماء إلا ابن حرة ... يرى غمرات الموت ثم يزورها .
استبعد أن يزور غمرات الموت بعد أن رآها واستيقنها واطلع على شدتها . فإن قلت : هلا قيل : إنا منه منتقمون ؟ قلت : لما جعله أظلم كل ظالم ثم توعد المجرمين عامة بالإنتقام منهم فقد دل على إصابة الأظلم النصيب الأوفر من الانتقام ولو قاله بالضمير لم يفد هذه الفائدة .
" ولقد ءاتينا موسى الكتاب فلا تكن في مرية من لقائه وجعلناه هدى لبني إسرائيل وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا ءاياتنا يوقنون إن ربك هو يفصل بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون "