" بما صبروا " بصبرهم على الإيمان بالتوراة والإيمان بالقرآن . أو بصبرهم على الإيمان بالقرآن قبل نزوله وبعد نزوله . أو بصبرهم على أذى المشركين وأهل الكتاب . ونحو " يؤتكم كفلين من رحمته " الحديد : 28 ، " بالحسنة السيئة " بالطاعة المعصية المتقدمة . أو بالحلم الأذى .
" وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين " " سلم عليكم " توديع ومتاركة . وعن الحسن رضى الله عنه : كلمة حلم من المؤمنين " لا نبتغي الجاهلين " لا نريد مخالتهم وصحبتهم فإن قلت : من خاطبوا بقولهم " ولكم أعمالكم " ؟ قلت : اللاغين الذين دل عليهم قوله : " وإذا سمعوا اللغو " .
" إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين " " لا تهدي من أحببت " لا تقدر أن تدخل في الإسلام كل من أحببت أن يدخل فيه من قومك وغيرهم لأنك عبد لا تعلم المطبوع على قلبه من غيره " ولكن الله " يدخل في الإسلام " من يشاء " وهو الذي علم أنه غير مطبوع على قلبه وأن الألطاف تنفع فيه فيقرن به ألطافه حتى تدعوه إلى القبول " وهو أعلم بالمهتدين " بالقابلين من الذين لا يقبلون . قال الزجاج : أجمع المسلمون أنها نزلت في أبي طالب وذلك أن أبا طالب قال : عند موته : يا معشر بني هاشم أطيعوا محمدا وصدقوه تفلحوا وترشدوا فقال النبي A : تأمرهم بالنصيحة لأنفسهم وتدعها لنفسك ؟ قال : فما تريد يا ابن أخي ؟ قال : أريد منك كلمة واحدة فإنك في آخر يوم من أيام الدنيا : أن تقول لا إله إلا الله أشهد لك بها عند الله . قال : يا ابن أخي قد علمت إنك لصادق ولكني أكره أن يقال : خرع عند الموت ولولا أن تكون عليك وعلى بني أبيك غضاضة ومسبة بعدي لقتلتها ولأقررت بها عينك عند الفراق لما أرى من شدة وجدك ونصيحتك ولكني سوف أموت على ملة الأشياخ عبد المطلب وهاشم وعبد مناف .
" وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا أولم نمكن لهم حرما ءامنا يجنى إليه ثمرات كل شئ رزقا من لدنا أكثر لا يعلمون " قالت قريش وقيل : إن القائل الحرث بن عثمان بن نوفل بن عبد مناف : نحن نعلم أنك الحق ولكنا نخاف إن اتبعناك وخالفناك العرب بذلك - وإنما نحن أكله رأس أي : قليلون - أن يتخطفونا من أرضنا فألقمهم الله الحجر . بأنه مكن لهم في الحرم الذي آمنه بحرمة البيت وآمن قطانه بحرمته وكانت العرب في الجاهلية حولهم يتغاورون ويتناحرون وهم آمنوا في حرمهم لا يخافون وبحرمة البيت هم قارون بواد غير ذي زرع والثمرات والأرزاق تجبى إليهم من كل أوب فإذا خولهم الله ما خولهم من المن والرزق بحرمة البيت وحدها وهم كفرة عبدة أصنام فكيف يستقم أن يعرضهم للتخوف والتخطف ويسلبهم الأمن إذا ضموا إلى حرمة الإسلام وإسناد الأمن إلى أهل الحرم حقيقة وإلى الحرم مجاز " يجبى إليه " تجلب وتجمع . قرئ : بالياء والتاء . وقرئ : تجنى بالنون من الجنى . وتعديته بإلى كقوله : يجنى إلي فيه ويجنى إلى الخافة . وثمرات : بضمتين وبضمة وسكون . ومعنى الكلية : الكثرة كقوله : " وأوتيت من كل شئ " النمل : 23 " ولكن أكثرهم لا يعلمون " متعلق بقوله " من لدنا " أي قليل منهم يقرون بأن ذلك رزق من عند الله وأكثرهم جهلة لا يعلمون ذلك ولا يفطنون له ولو علموا أنه من عند الله لعلموا أن الخوف والأمن من عنده . ولما خافوا التخطف إذا آمنوا به وخلعوا أنداده . فإن قلت : بم انتصب رزقا ؟ قلت : إن جعلته مصدرا جاز أن ينتصب بمعنى ما قبله ؛ لأن المعنى " يجبى إليه ثمرات كل شئ " ويرزق ثمرات كل شئ : واحد وأن يكون مفعولا له . وإن جعلته بمعنى : مرزوق كان حالا من الثمرات لتخصصها بالإضافة كما تنتصب عن النكرة المتخصصة بالصفة .
" ولك أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مسكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا وكنا نحن الوارثين "