" وما أهلكنا من قرية إلا لها منذرون ذكرى وما كنا ظالمين " " منذرون " رسل ينذرونهم " ذكرى " منصوبة بمعنى تذكرة . إما لأن أنذر وذكر متقاربان فكأنه قيل : مذكرون تذكرة . وإما لأنها حال من الضمير في " منذرون " أي ينذرونهم ذوي تذكرة . وإما لأنها مفعولبه ؛ على معنى : أنهم ينذرون لأجل الموعظة واتذكرة . أو مرفوعة على أنها خبر مبتدأ محذوفن بمعنى : هذه ذكرى . والجملة اعتراضية . أو صفة بمعنى : منذرون ذوو ذكر . أو جعلوا ذكرى لإمعانهم في التذكرة وما أهلكنا من أهل قرية ظالمين إلا بعدما ألزمناهم الحجة بإرسال المنذرين إليهم ليكون غير ظالمين . وهذا الوجه عليه المعول . فإن قلت : كيف عزلت الواو عن الجملة بعد إلا ولم تعزل عنها في قوله : " وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم " الحجر : 4 ؟ قلت : ألأصل : عزل الواو لأن الجملة صفة لقرية وإذا زيدت فلتأكيد وصل الصفة بالموصوف كما في قوله : " سبعة وثامنهم كلبهم " الكهف : 22 .
" وما تنزلت به الشياطين وما ينبغي لهم وما يستطيعون إنهم عن السمع لمعزولون " كانوا يقولون : إن محمدا كاهن وما يتنزل عليه من جنس ما يتنزل به الشياطين على الكهنة فكذبوا بأن ذلك مما لا يتسهل للشياطين ولا يقدرون عليه ؛ لأنهم مرجومون بالشهب معزولون عن استماع كلام أهل السماء . وقرأ الحسن : الشياطون . ووجهه أنه رأى آخره كآخر يبرين وفلسطين فتخير بين أن يجري الإعراب على النون وبين أن هذه يبرون ويبرين وفلسطون وفلسطين . وحقه أن تشتقه من الشيطوطة وهي الهلاك كما قيل له الباطل . وعن الفراء : غلط الشيخ في قراءته الشياطون ظن أنها النون التي على هجاءين فقال النضر بن شميل : إن جاز أن يحتج بقول العجاج ورؤبة فهلا جاز أن يحتج بقول الحسن وصاحبه أ يريد : محمد بن السميع - مع أنا نعلم أنهما لم يقرأ به إلا وقد سمعا فيه .
" فلا ندع مع الله إلاه ساخر فتكون من المعذبين وأنذر عشيرتك الأقربين قد علم أن ذلك لا يكون ولكنه أراد أن يحرك منه لازدياد الإخلاص والتقوى . وفيه لطف لسائر المكلفين كما قال : " ولو تقول علينا بعض الأقاويل " الحافة : 44 ، فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فيه وجهان : أحدهما أن يؤمر بإنذار الأقرب فالأقرب من قومه ويبدأ في ذلك بمن هو أولى بالبداءة ثم يمن يليه : وأن يقدم إنذارهم على إنذار غيرهم كما روي عنه عليه السلام : أنه لما دخل مكة قال : كل ربا في الجاهلية موضوع تحت قدمي هاتين وأول ما أضعه ربا العباس والثاني : أن يؤمر بأن لا يأخذ القريب للقريب من العطف والرأفة ولا يحابيهم في الإنذار والتخويف . وروي : أنه صعد الصفا - لما نزلت - فنادى الأقرب فالأقرب فخذا فخذا وقال : يا بني عبد المطلب يا بني هاشم يا بني عبد مناف يا عباس عم النبي يا ضفية عمة رسول الله أني لا أملك لكم من الله شيئا سلوني من مالي ما شئتم . وروي : أنه A جمع بني عبد المطلب وهم يومئذ أربعون رجلا : الرجل منهم يأكل الجذعة ويشرب العس على رجل شاة وقعب من لبن فأكلوا وشرب كوت حتى صدروا ثم أنذرهم فقال : يا بني عبد المطلب لو أخبرتكم أن بسفح هذا الجبل خيلا أكنتم مصدقي ؟ قالوا : نعم . قال : فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد وروي أنه قال : يا بني عبد المطلب يا بني هاشم يا بني عبد مناف افتدوا أنفسكم من النار فإني لا أغني عنكم شيئا ثم قال : يا عائشة بنت أبي بكر ويا حفصة بنت عمر ويا فاطمة بنت محمد ويا صفية عمة محمد اشترين أنفسكن من النار فإني لا أغني عنكن شيئا .
" واخفض جناحك لمن أتبعك من المؤمنين فإن عصوك فقل إني برئ مما تعملون " الطائر إذا أراد أن ينحط للوقوع كسر جناحه وخفضه وإذا أراد أن ينهض للطيران رفع جناحه فجعل خفض جناحه عند الانحطاط مثلا في يالوتاضع ولين الجانب ومنه قول بعضهم : .
وأنت الشهير بخفض الجناح ... فلا تك في رفعة أجدلا