عن عطاء بن السائب أن جبريل عليه السلام كان بين بني إسرائيل وبين آل فرعون فكان يقول لبني إسرائيل : لسيلحق آخركم بأولكم . ويستقبل القبط فيقول : رويدكم يلحق آخركم . فلما انتهى موسى عليه السلام إلى البحر قال له مؤمن آل فرعون - وكان بين يدي موسى : أين أمرت فهذا البحر أمامك وقد غشيك آل فرعون ؟ قال : أمرت بالبحر ولا يدري موسى ما يصنع فأوحى الله تعالى إليه : أن اضرب بعصاك البحر فضربه فصار فيه اثنى عشر طريقا : لكل سبط طريق . وروي أن يوشع قال : يا كليم الله أين أمرت فقد غشينا فرعون والبحر أمامنا ؟ قال موسى : ههنا . فخاض يوشع الماء وضرب موسى بعصاه البحر فدخلوا . وروي أن موسى قال عند ذلك : يا من كان قبل كل شيء والمكون لكل شيء والكائن بعد كل شيء . ويقال : هذا البحر هو بحر القلزم . وقيل : هو بحر من وراء مصر يقال له : أساف " إن في ذلك لأية " أية آية لا توصف وقد عاينها الناس وشاع أمرها فيهم .
" إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم " وما تنبه عليها أكثرهم ولا آمن بالله . وبنو إسرائيل : الذين كانوا أصحاب موسى المخصوصين بالإنجاء قد شألوه بقرة يعبدونها واتخذوا العجل وطلبوا رؤية الله جهرة " وإن ربك لهو العزيز " المنتقم من أعدائه " الرحيم " بأوليائه .
" واتل عليهم نبأ إبراهيم إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين " كان إبراهيم عليه السلام يعلم أنهم عبدة أصنام ؛ ولكنه سألهم ليريهم أن ما يعبدونه ليس من استحقاق العبادة في شيء كما تقول للتاجرة : ما مالك ؟ وأنت تعلم أن ماله الرقيق ثم تقول له : الرقيق جمال وليس بمال . فإن قلت : " ما تعبدون " سؤال عن المعبود فحسب فكان القياس أن يقولوا : أصناما كقوله تعالى : " ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو " البقرة : 219 ، " ماذا قال ربكم قالوا الحق " سبأ : 23 ، " ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا " النحل : 30 . قلت : هؤلاء قد جاءوا بقصة أمرهم كاملة كالمبتهجين بها والمفتخرين فاشتملت على جواب إبراهيم وعلى ما قصدوه من إظهار ما في نفوسهم من الابتهاج والافتخار . ألا تراهم كيف عطفوا على قلوبهم نعبد " فنظل لها عاكفين " ولم يقتصروا على زيادة نعبد وحده . ومثاله أن تقول لبعض الشطار : ما تلبس في بلادك ؟ فيقول : ألبس البرد الأتحمى فأجر ذيله بين جواري الحي . وإنما قالوا : نظل لأنهم كانوا يعبدونها بالنهار دون الليل .
" قال هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم أو يضرون " لا بد في " يسمعونكم " من تقدير حذف المضاف معناه : هل يسمعون دعاءكم . وقرأ قتادجة : يسمعونكم أي : هل يسمعونكم الجواب عن دعائكم ؟ وعل يقدرون على ذلك ؟ وجاء مضارعا مع إيقاعه في إذ على حكاية الحال الماضية . ومعناه : استحضروا الأحوال الماضية التي كنتم تدعونها فيها وقولوا هل سمعوا أو أسمعوا قط . وهذا أبلغ في التبكيت .
" قالوا بل وجدنا ءاباءنا كذلك يفعلون قال أفرءيتم ما كنتم تعبدون أنتم وءاباؤكم الأقدمون فإنهم عدو لي إلا رب العالمين الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين وغذا مرضت فهو يشفين والذي يميتني ثم يحيين والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين "