" ألم تر إلى ربك " ألم تنظر إلى صنع ربك وقدرته ومعنى مد الظل : أن جعله يمتد وينبسط فينتفع به الناس " ولو شاء لجعله ساكنا " أي لاصقا بأصل كل مظل من جبل وبتناء وشجرة . غير منبسط فلم ينتفع به أحد : سمي انبساط الظل وامتداده تحريكا منه وعدم ذلك سكونا ومعنى كون الشمس دليلا : أن الناس يستدلون بالشمس وبأحوالها في مسيرهم على أحوال الظل من كونه ثابتا في مكان و زائلا ومتسعا ومتقلصا فيبنون حاجتهم إلى الظل واستغناءهم عنه على حسب ذلك . وقبضه إليه : أنه ينسخه بضح الشمس " يسيرا " أي على مهل . وفي هذا القبض اليسير شيئا بعد شيء من المنافع ما لا يعد ولا يحصر ولو قبض دفعة واحدة لتعطلت أكثر مرافق الناس بالظل والشمس جميعا . فإن قلت : ثم في هذين الموضعين كيف موقعها ؟ قلت : موقعها لبيان تفاضل الأمور الثلاثة : كان الثاني أعظم من الأول والثالث أعظم منهما تشبيها لتباعد ما بينهما في الفضل بتباعد ما بين الحوادث في الوقت . ووجه آخر : وهو أنه مد الظل حين بنى السماء كالقبة المضروبة ودحا الأرض تحتها فألقت القبة ظلها على الأرض فينانا ما في أديمة جوب لعدم النير ولو شاء لجعله ساكنا مستقرا على تلك الحجالة ثم خلق الشمس وجعلها على ذلك الكل أي سبلطها عليه ونصبها دليلا متبوعا له كما يتبع الدليل في الطريق فهو يزيد بها وينقص ويمتد ويتقلص ثم نسخه بها فقبضه قبضا سهلا يسيرا غير عسير . ويحتمل أن يريد : قبضه عند قيام الساعة بقبض أسبابه وهي الإجرام التي تبقى الظل فيكون قد ذكر إعدامه بإعدامه أسبابه كما ذكر إنشاءه بإنشاء أسبابهن وقوله : قبضناه إلينا : يدل عليه وكذلك قوله يسيرا كما قال : " ذلك حشر علينا يسير " ق : 44 .
" وهو الذي جعل لكم الليل لباسا والنوم سباتا وجعل النهار نشورا " شبه ما يستر من ظلام الليل باللباس الساتر . والسبات : الموت . والمسبوت الميت ؛ لأنه مقطوع الحياة وهذا كقوله : " وهو الذي يتوفاكم بالليل " الأنعام : 60 . فإن قلت : هلا فسرته بالراحة ؟ قلت : النشور في مقابلته يأباه إباء العيوف الوردوهو مرنق . وهذه الآية مع دلالتها على قدرة الخالق فيها إظهار لنعمته على خلقه ؛ لأن الآحتجاب بستر الليل كم فيه لكثير من الناس من فوائد دينية ودنيوية والنوم واليقظة وشبههما بالموت والحياة أي عبرة فيها لمن اعتبر وعن لقمان أنه قال لابنه : يا بني كما تنام فتوقظ كذلك تموت فتنشر .
" وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين رحمته وأنزلنا من السماء ماء طهورا " قرئ : الريح والرياح نشرا : إحياء ونشرا : جمع نشور وهي المحيية . ونشرا : تخفيف نشر وبشرا تخفيف بشر : جمع بشور وبشرى . و " بين يدي رحمته " استعارة مليحة أي : قدام المطر " طهورا " بليغا في طهارته . وعن أحمد بن يحيى : هو ما كان طاهرا في نفسه مطهرا لغيره فإن كان ما قاله شرحا لبلاغته في الطهارة كان سديدا . ويعضده قوله تعالى : " وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به " الأنفال : 11 وإلا فليس فعول من التفعيل فيشيء . والطهور على وجهين في العربية : صفة واسم غير صفة ؛ فالصفة قولك : ماء طهور كقولك : طاهر والاسم قولك لما يتطهر به " طهور كالوضوء حسنا ذكره سيبويه ومنه قوله A : لا صلاة إلا بطهور أي طهارة . فإن قلت : ما الذي يزيل عن الماء اسم الطهور ؟ قلت : تيقن مخالطة النجاسة أو غلبتها على الظن تغير أحد أوصافه الثلاثة أو لم يتغير . أو استعماله في البدن لأداء عبادة عند أبي حنيفة وعند مالك بن أس وBهما : ما لم يتغير أحد أوصافه فهو طهور . فإن قلت : فما تقول في قوله A حين سئل عن بئر بضاعة فقال : الماء طهور لا ينجسه شيء إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه ؟ قلت : قال الواقدي : كان بئر بضاعة طريقا للماء إلى البساتين .
" لنحي به بلدة ميتا ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا "