كانوا يستعجلون عذاب الله ونزول آياته الملجئة إلى العلم والإقرار " ويقولون متى هذا الوعد " فأراد نهيهم عن الاستعجال وزجرهم فقدم أولا ذم الإنسان على إفراط العجلة وأنه مطبوع عليها ثم نهاهم وزجرهم كأنه قال : ليس ببدع منكم أن تستعجلوا فإنكم مجبولون على ذلك وهو طبعكم وسجيتكم . وعن ابن عباس Bه : أنه أراد بالإنسان آدم عليه السلام وأنه حين بلغ الروح صدره ولم يتبالغ فيه أراد أن يقوم . وروي : أنه لما دخل الروح في عينيه نظر إلى ثمار الجنة ولما دخل جوفه اشتهى الطعام . وقيل خلقه الله تعالى في آخر النهار يوم الجمعة قبل غروب الشمس فأسرع في خلقه قبل مغيبها . وعن ابن عباس Bه أنه النضر بن الحرث . والظاهر أن المراد الجنس . وقيل : العجل : الطين بلغة حمير . وقال شاعرهم : .
والنخل ينبت بين الماء والعجل .
والله أعلم بصحته . فإن قلت : لم نهاهم عن الاستعجال مع قوله : " خلق الإنسان من عجل " وقوله : " وكان الإنسان عجولا " الإسراء : 11 أليس هذا من تكليف ما لا يطاق ؟ قلت : هذا كما ركب فيه الشهوة وأمره أن يغلبها . لأنه أعطاه القدرة التي يستطيع بها قمع الشهوة وترك العجلة . وقرئ : خلق الإنسان .
" لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم ولا هم ينصرون بل تأتيهم بغتة فتبهتهم فلا يستطيعون ردها ولا هم ينظرون " جواب " لو " محذوف . و " حين " مفعول به ليعلم أي : لو يعلمون الوقت الذي يستعلمون عنه بقولهم " متى هذا الوعد " وهو وقت صعب شديد تحيط بهم فيه النار من وراء وقدام فلا يقدرون على دفعها ومنعها من أنفسهم ولا يجدون ناصرا ينصرهم : لما كانوا بتلك الصفة من الكفر والاستهزاء والاستعجال ولكن جهلهم به هو الذي هونه عندهم . ويجوز أن يكون " يعلم " متروكا بلا تعدية بمعنى : لو كان معهم علم ولم يكونوا جاهلين لما كانوا مستعجلين . وحين : منصوب بمضمر أي حين " لا يكفون عن وجوههم النار " يعلمون أنهم كانوا على الباطل وينتفي عنهم هذا الجهل العظيم أي : لا يكفونها بل تفجؤهم فتغلبهم يقال للمغلوب في المحاجة : مبهوت ومنه : " فبهت الذي كفر " البقرة : 258 ، أي : غلب إبراهيم عليه السلام الكافر . وقرأ الأعمش : يأتيهم . فيبهتهم على التذكير . والضمير للوعد أو للحين . فإن قلت : فإلام يرجع الضمير المؤنث في هذه القراءة ؟ قلت : إلى النار أو إلى الوعد لأنه في معنى النار وهي التي وعدوها أو على تأويل العدة أو الموعدة . أو إلى الحين لأنه في معنى الساعة . أو إلى البغتة . وقيل في القراءة الأولى : الضمير للساعة . وقرأ الأعمش : بغتة بفتح الغين " ولا هم ينظرون " تذكير بإنظاره إياهم وإمهاله وتفسيح وقت التذكر عليهم أي : لا يمهلون بعد طول الإمهال .
" ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزءون " سلى رسول الله A عن استهزائهم به بأن له في الأنبياء عليهم السلام أسوة وأن ما يفعلونه به يحيق بهم كما حاق بالمستهزئين بالأنبياء عليهم السلام ما فعلوا .
" قل من يكلؤكم باليل والنهار من الرحمن بل هم عن ذكر ربهمم معرضون " " من الرحمن " أي من بأسه وعذابه " بل هم " معرضون عن ذكره لا يخطرونه ببالهم فضلا أن يخافوا بأسه حتى إذا رزقوا الكلاءة منه عرفوا من الكاليء وصلحوا للسؤال عنه . والمراد أنه أمر رسوله E بسؤالهم عن الكاليء ثم بين أنهم لا يصلحون لذلك لإعراضهم عن ذكر من يكلؤهم .
" أم لهم إلهة تمنعهم من دوننا لا يستطيعون نصر أنفسهم ولا هم منا يصحبون " ثم أضرب عن ذلك بما في " أم " من معنى " بل " وقال : " أم لهم ءالهة تمنعهم " من العذاب تتجاوز منعنا وحفظنا . ثم استأنف فبين أن ما ليس بقادر على نصر نفسه ومنعها ولا بمصحوب من الله بالنصر والتأييد كيف يمنع غيره وينصره .
" بل متعنا هؤلاء وءاباءهم حتى طال عليهم الأمر أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغلبون "