الضنك : مصدر يستوي في الوصف به المذكر والمؤنث . وقرىء : ضنكى على فعلى . ومعنى ذلك : أن مع الدين التسليم والقناعة والتوكل على الله وعلى قسمته ؛ فصاحبه ينفق ما رزقه بسماح وسهولة فيعيش عيشا رافعا ؛ كما قال D : " فلنحيينه حياة طيبة " النحل : 97 والمعرض عن الدين مستول عليه الحرص الذي لا يزال يطمح به إلى الازدياد من الدنيا مسلط عليه الشح الذي يقبض يده عن الإنفاق فعيشه ضنك وحاله مظلمة كما قال بعض المتصوفة : لا يعرض أحد عن ذكر ربه إلا أظلم عليه وقته وتشوش عليه رزقه . ومن الكفرة من ضرب الله عليه الذلة والمسكنة لكفره . قال الله تعالى : " وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله " البقرة : 61 وقال : " ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم " المائدة : 66 وقال : " ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض " الأعراف : 96 ، وقال : " استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا " نوح : 11 ، وقال : " وألو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا " الجن : 16 ، وعن الحسن : هو الضريع والزقوم في النار . وعن أبي سعيد الخدري : عذاب القبر وقرىء " ونحشره " بالجزم عطفا على محل " فإن له معيشة ضنكا " لأنه جواب الشرط . وقرىء : " ونحشره " بسكون الهاء على لفظ الوقف وهذا مثل قوله : " ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما " الإسراء : 97 وكما فسر الزرق بالعمى كذلك أي مثل ذلك فعلت أنت ثم فسر بأن آياتنا أتتك واضحة مستنيرة فلم تنظر إليها بعين المعتبر ولم تتبصر . وتركتها وعميت عنها فكذلك اليوم نتركك على عماك ولا نزيل غطاءه عن عينيك .
" كذلك نجزى من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى " .
لما توعد المعرض عن ذكره بعقوبتين : المعيشة الضنك في الدنيا وحشره أعمى في الآخرة - ختم آيات الوعيد بقوله : " ولعذاب الوعيد أشد وأبقى " كأنه قال : وللحشر على العمى الذي لا يزول أبدا أشد من ضيق العيش المنقضي . أو أراد : ولتركنا إياه في العمى أشد وأبقى من تركه لآياتنا .
" أفلم يهد لهم كم أهلكنا قبلهم من القرون يمشون فى مساكنهم إن فى ذلك لآيات لأولى النهى " فاعل " لم يهد " الجملة بعده يريد : ألم يهد لهم هذا بمعناه ومضمونه ونظيره قوله تعالى : " وتركنا عليه في الآخرين سلام على نوح في العالمين " الصافات : 79 ، أي تركنا عليه هذا الكلام . ويجوز أن يكون فيه ضمير الله أو الرسول ويدل عليه القراءة بالنون . وقرىء : " يمشون " يريد أن قريشا يتقلبون في بلاد عاد وثمود ويمشون " فى مساكنهم " ويعاينون آثار هلاكهم .
" ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى " .
الكلمة السابقة : هي العدة بتأخير جزائهم إلى الآخرة يقول : لولا هذه العدة لكان مثل إهلاكنا عادا وثمودا لازما لهؤلاء الكفرة . واللزام : إما مصدر لازم وصف به وإما فعال بمعنى مفعل أي ملزم كأنه الة اللزوم لفرط لزومه كما قالوا : لزاز خصم " وأجل مسمى " لا يخلو من أن يكون معطوفا على كلمة أو على الضمير في كان أي لكان الأخذ العاجل وأجل مسمى لازمين لهم كما كانا لازمين لعاد وثمود ولم ينفرد الأجل المسمى دون الأخذ العاجل .
" فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن ءاناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى "