عن ابن عباس : إن نجواهم : إن غلبنا موسى اتبعناه . وعن قتادة : إن كان ساحرا فسنغلبه وإن كان من السماء فله أمر . وعن وهب لما قال : " ويلكم " الآية قالوا : ما هذا بقول ساحر . والظاهر أنهم تشاوروا في السر وتجاذبوا أهداب القول ثم قالوا : إن هذان لساحران . فكانت نجواهم في تلفيق هذا الكلام وتزويره خوفا من غلبتهما وتثبيطا للناس عن اتباعهما . قرأ أبو عمرو : " إن هذين لساحران " على الجهة الظاهرة المكشوفة . وابن كثير وحفص " إن هذان لساحران " على قولك : إن زيد لمنطلق . واللام هي الفارقة بين إن النافية والمخففة من الثقيلة . وقرأ أبي " إن هذان إلا ساحران " وقرأ ابن مسعود " أن هذان ساحران " بفتح أن وبغير لام بدل من النجوى . وقيل في القراءة المشهورة " إن هذن لسحرن " هي لغة بلحرث بن كعب جعلوا الاسم المثنى نحو الأسماء التي آخرها ألف كعصا وسعدى فلم يقلبوها ياء في الجر والنصب . وقال بعضهم : " إن " بمعنى نعم . و " لسحرن " خبر مبتدأ محذوف واللام داخلة على الجملة تقديره : لهما ساحران . وقد أعجب به أبو إسحاق سموا مذهبهم الطريقة " المثلى " والسنة الفضلى وكل حزب بما لديهم فرحون . وقيل : أرادوا أهل طريقتهم المثلى وهم بنو إسرائيل لقول موسى : " فأرسل معنا بنى إسرءيل " وقيل : " الطريقة " اسم لوجوه الناس وأشرافهم الذين هم قدوة لغيرهم . يقال : هم طريقة قومهم . ويقال للواحد أيضا : هو طريقة قومه : " فأجمعوا كيدكم " يعضده قوله : " فجمع كيده " وقرىء " فأجمعوا كيدهكم " أي أزمعوه واجعلوه مجمعا عليه حتى لا تختلفوا ولا يخلف عنه واحد منكم كالمسألة المجمع عليها . أمروا بأن يأتوا صفا لأنه أهيب في صدور الرائين . وروي : أنهم كانوا سبعين ألفا مع كل واحد منهم حبل وعصا وقد أقبلوا إقبالة واحدة . وعن أبي عبيدة أنه فسر الصف بالمصلى لأن الناس يجتمعون فيه لعيدهم وصلاتهم مصطفين . ووجه صحته أن يقع علما لمصلى بعينه فأمروا بأن يأتوه . أو يراد : ائتوا مصلى من المصليات " وقد أفلح اليوم من استعلى " اعتراض . يعني : وقد فاز من غلب .
" قالوا يموسى إما أن تلقى وإما أن نكون أول من ألقى قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى " .
" أن " مع ما بعده إما منصوب بفعل مضمر . أو مرفوع بأنه خبر مبتدأ محذوف .
معناه : اختر أحد الأمرين ؛ أو الأمر إلقاؤك أو إلقاؤنا . وهذا التخيير منهم استعمال أدب حسن معه وتواضع له وخفض جناح وتنبيه على إعطائهم النصفة من أنفسهم وكأن الله عز وعلا ألهمهم ذلك وعلم موسى صلوات الله عليه اختيار إلقائهم أولا مع ما فيه من مقابلة أدب بأدب حتى يبرزوا ما معهم من مكايد السحر . ويستنفدوا أقصى طوقهم ومجهودهم فإذا فعلوا : أظهر الله سلطانه وقذف بالحق على الباطل فدمغه وسلط المعجزة على السحر فمحقته وكانت آية نيرة للناظرين وعبرة بينة للمعتبرين . يقال في " إذا " هذه : إذا المفاجأة والتحقيق فيها أنها إذا الكائنة بمعنى الوقت الطالبة ناصبا لها وجملة تضاف إليها خصت في بعض المواضع بأن يكون ناصبها فعلا مخصوصا وهو فعل المفاجأة والجملة ابتدائية لا غير فتقدير قوله تعالى : " فإذا حبالهم وعصيهم " ففاجأ موسى وقت تخييل سعي حبالهم وعصيهم . وهذا تمثيل . والمعنى : على مفاجأته حبالهم وعصيهم مخيلة إليه السعي . وقرىء : " عصيهم " بالضم وهو الأصل والكسر إتباع ونحوه : دلي ودلي وقسي وقسي وقرىء " تخيل " على إسناده إلى ضمير الحبال والعصي وإبدال قوله : " أنها تسعى " من الضمير بدل الاشتمال كقولك : أعجبني زيد كرمه وتخيل على كون الحبال والعصي مخيلة سعيها . وتخيل . بمعنى تتخيل . وطريقه طريق تخيل . ونخيل : على أن الله تعالى هو المخيل للمحنة والابتلاء . يروى : أنهم لطخوها بالزئبق فلما ضربت عليها الشمس اضطربت واهتزت . فخيلت ذلك .
" فأوجس في نفسه خيفة موسى قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد سحر ولا يفلح الساحر حيث أتى "