أي ليتعززوا بآلهتهم حيث يكونون لهم عند الله شفعاء وأنصارا ينقذونهم من العذاب " كلا " ردع لهم وإنكار لتعززهم بالآلهة . وقرأ ابن نهيك " كلا " " سيكفرون بعبادتهم " أي سيجحدون كلا سيكفرون بعبادتهم كقولك : زيدا مررت بغلامه . وفي محتسب ابن جني : كلا بفتح الكاف والتنوين وزعم أن معناه كل هذا الرأي والاعتقاد كلا . ولقائل أن يقول : إن صحت هذه الرواية فهي " كلا " التي هي للردع قلب الواقف عليها ألفها نونا كما في قواريرا . والضمير في " سيكفرون " للآلهة أي : سيجحدون عبادتهم وينكرونها ويقولون : والله ما عبدتمونا وأنتم كاذبون . قال الله تعالى : " وإذا رأى الذين أشركوا شركاءهم قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون " النحل : 86 ، أو للمشركين : أي ينكرون لسوء العاقبة أن يكونوا قد عبدوها . قال الله تعالى : " ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين " الأنعام : 23 ، " عليهم ضدا " في مقابلة " لهم عزا " والمراد ضد العز وهو الذل والهوان أي : يكونون عليهم ضدا لما قصدوه وأرادوه كأنه قيل : ويكونون عليهم ذلا لا لهم عزا أو يكونون عليهم عونا والضد : العون . يقال من أضدادكم : أي أعوانكم وكأن العون سمي ضدا لأنه يضاد عدوك وينافيه بإعانته لك عليه . فان قلت : لم وحد ؟ قلت : وحد توحيده قوله عليه السلام : " وهم يد على من سواهم " لاتفاق كلمتهم وأنهم كشيء واحد لفرط تضامهم وتوافقهم ومعنى كون الآلهة عونا عليهم : أنهم وقود النار وحصب جهنم ولأنهم عذبوا بسبب عبادتهم وإن رجعت الواو في سيكفرون ويكونون إلى المشركين فإن المعنى : ويكونون عليهم - أي أعداءهم - ضدا أي : كفرة بهم بعد أن كانوا يعبدونها .
" ألم تر أنآ أرسلنا الشيطن على الكفرين تؤزهم أزا " .
الأز والهز والاستفزاز : أخوات ومعناها التهييج وشدة الإزعاج أي : تغريهم على المعاصي وتهيجهم لها بالوساوس والتسويلات . والمعنى : خلينا بينهم وبينهم ولم نمنعهم ولو شاء لمنعهم قسرا والمراد تعجيب رسول الله A بعد الآيات التي ذكر فيها العتاة والمردة من الكفار وأقاويلهم وملاحتهم ومعاندتهم للرسل واستهزاؤهم بالدين : من تماديهم في الغي وإفراطهم في العناد وتصميمهم على الكفر واجتماعهم على دفع الحق بعد وضوحه وانتفاء الشك عنه وإنهماكم لذلك في اتباع الشياطين وما تسول لهم .
" فلا تعجل عليهم إنما نعد لهم عدا " .
عجلت عليه بكذا : إذا استعجلته منه أي : لا تعجل عليهم بأن يهلكوا ويبيدوا حتى تستريح أنت والمسلمون من شرورهم وتطهر الأرض بقطع دابرهم فليس بينك وبين ما تطلب من هلاكهم إلا أيام محصورة وأنفاس معدودة كأنها في سرعة تقضيها الساعة التي تعد فيها لو عدت . ونحوه قوله تعالى : " ولا تستعجل لهم " الأحقاف : 35 ، " كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار " الأحقاف : 35 وعن ابن عباس Bه : أنه كان إذا قرأها بكى وقال : اخر العدد خروج نفسك اخر العدد فراق أهلك آخر العدد دخول قبرك . وعن ابن السماك : أنه كان عند المأمون فقرأها فقال : إذا كانت الأنفاس بالعدد ولم يكن لها مدد فما أسرع ما تنفد .
" يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا " .
نصب " يوم " بمضمر أي يوم " نحشر " ونسوق : نفعل بالفريقين ما لا يحيط به الوصف . أو اذكر يوم نحشر . ويجوز أن ينتصب ب " لا يملكون " . ذكر المتقون بلفظ التبجيل . وهو أنهم يجمعون إلى ربهم الذي غمرهم برحمته وخصهم برضوانه وكرامته كما يفد الوفاد على الملوك منتظرين للكرامة عندهم وعن علي Bه .
ما يحشرون والله على أرجلهم ولكنهم على نوق رحالها ذهب وعلى نجائب سروجها ياقوت .
" ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا " .
وذكر الكافرون بأنهم يساقون إلى النار بإهانة واستخفاف كأنهم نعم عطاش تساق إلى الماء . والورود : العطاش لأن من يرد الماء لا يرده إلا لعطش وحقيقة الورد : المسير إلى الماء قال : .
ردي ردي وزد قطاة صما ... كذرية أعجبها برد الما .
فسمى به الواردون . وقرأ الحسن " يحشر المتقون " و " يساق المجرمون " .
" لا يملكون الشفعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا "