" الكتاب " للجنس وهو صحف الأعمال " يا ويلتنا " ينادون هلكتهم التي هلكوها خاصة من بين الهلكات " صغيرة ولا كبيرة " هنة صغيرة ولا كبيرة وهي عبارة عن الإحاطة يعني : لا يترك شيئا من المعاصي إلا أحصاه أي : أحصاها كلها كما تقول : ما أعطاني قليلا ولا كثيرا ؟ لأن الأشياء إنا صغار وإنا كبار . ويجوز أن يريد : وإنا كان عندهم صغائر وكبائر . وقيل : لم يجتنبوا الكبائر فكتبت عليهم الصغائر وهي المناقشة . وعن ابن عباس : الصغيرة التبسم والكبيرة القهقهة . وعن سعيد بن جبير : الصغيرة المسيس والكبيرة الزنا . وعن الفضيل : كان إذا قرأها قال : ضجوا والله من الصغائر قبل الكبائر " إلا أحصاها " إلا ضبطها وحصرها " ووجدوا ما عملوا حاضرا " في الصحف عتيدا . أو جزاء عملوا " ولا يظلم ربك أحدا " فيكتب عليه ما لم يعمل . أو يزيد في عقاب المستحق يعذبه بغير جرم كما يزعم من ظلم الله في تعذيب أطفال المشركين بذنوب آبائهم .
" وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا ما أشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا " .
" كان من الجن " كلام مستأنف جار مجرى التقليل بعد استثناء إبليس من الساجدين كأن قائلا قال : ما له لم يسجد ؟ فقيل : كان من الجن " ففسق عن أمر ربه " والفاء للتسبيب أيضا جعل كونه من الجن سببا في فسقه ؟ لأنه لو كان ملكا كسائره سجد لآدم لم يفسق عن أمر الله لأن الملائكة معصومون البتة لا يجوز عليهم ما يجوز على الجن والإنس كما قال : " لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون " الأنبياء : 7 ، وهذا الكلام المعترض تعمد من الله تعالى لصيانة الملائكة عن وقوع شبهة في عصمتهم فما أبعد البون بين ما تعمده الله وبين قول من ضاده وزعم أنه كان ملكا ورئيسا على الملائكة فعصى فلعن ومسخ شيطانا ثم وركه على ابن عباس . ومعنى " ففسق عن أمر ربه " خرج عما أمره به ربه من السجود . قال : .
فواسقا عن قصدها جوائرا .
أو صار فاسقا كافرا بسبب أمر ربه الذي هو قوله : " اسجدوا لآدم " . " أفتتخذونه " الهمزة للإنكار والتعجيب كأنه قيل : أعقيب ما وجد منه تتخذونه " وذريته أولياء من دوني " وتستبدلونهم بي بئس البدل من الله إبليس لمن استبدله فأطاعه بدل طاعته " ما أشهدتهم " وقرئ : ما أشهدناهم يعني : أنكم اتخذتموهم شركاء لي في العبادة وإنما كانوا يكونون شركاء فيها لو كانوا شركاء في الإلهية فنفى مشاركتهم في الإلهية بقوله : " ما أشهدتهم خلق السموات والأرض " لأعتضد بهم في خلقها " ولا خلق أنفسهم " أي ولا أشهدت بعضهم خلق بعض كقوله : " ولا تقتلوا أنفسكم " النساء : 29 ، " وما كنت متخذ المضلين " بمعنى وما كنت متخذهم " عضدا " أي أعوانا فوضع المضلين موضع الضمير ذما لهم بالإضلال فإذا لم يكونوا عضدا لي في الخلق فما لكم تتخذونهم شركاء لي في العبادة ؟ وقرئ : وما كنت بالفتح : الخطاب لرسول الله A والمعنى : وما صح لك الاعتضاد بهم وما ينبغي لك أن تعتز بهم . وقرأ علي رضي الله عنه : وما كنت متخذا المضلين بالتنوين على الأصل . وقرأ الحسن : عضدا بسكون الضاد ونقل ضمتها إلى العين . وقرئ : عضدا بالفتح وسكون الضاد . وعضدا بضمتين وعضدا بفتحتين : جمع عاضد كخادم وخدم وراصد ورصد ومن عضده : إذا قواه وأعانه .
" ويوم يقول نادوا شركائي الذين زعمتم فدعوهم فلم يستجابوا لهم وجعلنا بينهم موبقا ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفا "