" واتل ما أوحى إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا " .
كانوا يقولون له : ائت بقرآن غير هذا أو بدله فقيل له " واتل ما أوحى إليك " من القرآن ولا تسمع لما يهذون به من طلب التبديل فلا مبدل لكلمات ربك أي : لا يقدر أحد على تبديلها وتغييرها وإنما يقدر على ذلك هو وحده " وإذا بدلنا آية مكان آية " النحل : 101 ، " ولن تجد من دونه ملتحدا " ملتجأ تعدل إليه إن هممت بذلك .
" واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا " .
وقال قوم من رؤساء الكفرة لرسول الله A : نح هؤلاء الموالي الذين كأن ريحهم ريح الضأن وهم : صهيب وعمار وخباب وغيرهم من فقراء المسلمين حتى نجالسك كما قال قوم نوح : " أنؤمن لك واتبعك الأرذلون " الشعراء : 111 ، فنزلت : " واصبر نفسك " واحبسها معهم وثبتها . قال أبو ذؤيب : .
فصبرت عارفة لذلك حرة ... ترسوا إذا نفس الجبان تطلع .
" بالغداة والعشي " دائبين على الدعاء في كل وقت . وقيل : المراد صلاة الفجر والعصر . وقرئ : بالغدوة وبالغداة أجود لأن غدوة علم في كثر الاستعمال . وإدخال اللام على تأويل التنكير كما قال : .
......والزيد زيد المعارك .
ونحوه قليل في كلامهم يقال : عداه إذا جاوزه ومنه قولهم . عدا طوره . وجاءني القوم عدا زيدا . وإنما عدي بعن لتضمين عدا معنى نبا وعلا في قولك : نبت عنه عينه وعلت عنه عينه : إذا اقتحمته ولم تعلق به . فإن قلت : أي غرض في هذا التضمين ؟ وهلا قيل : ولا تعدهم عيناك أو لا تعل عيناك عنهم ؟ قلت الغرض فيه إعطاء مجموع معنيين وذلك أقوى من إعطاء معنى فذ ألا ترى كيف رجع المعنى إلى قولك : ولا تقتحمهم عيناك مجاوزتين إلى غيرهم ؟ ونحوه قوله تعالى : " ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم " النساء : 2 ، أي ولا تضموها إليها أكلين لها . وقرئ " ولا تعد عينيك " ولا تعد عينيك من أعداه وعداه نقلا بالهمزة وتثقيل الحشو . ومنه قوله : .
فعد عما ترى إذ لا ارتجاع له .
لأن معناه : فعد همك عما ترى . نهى رسول الله A أن يزدرى بفقراء المؤمنين وأن تنبو عينه عن رثاثة زيهم طموحا إلى زي الأغنياء وحسن شارتهم " تريد زينة الحياة الدنيا " في موضع الحال " من أغفلنا قلبه " من جعلنا قلبه غافلا عن الذكر بالخذلان . أو وجدناه غافلا عنه كقولك : أجبنته وأفحمته وأبخلته إذا وجدته كذلك . أو من أغفل إبله إذا تركها بغير سمة أي : لم نسمه بالذكر ولم نجعلهم من الذين كتبنا في قلوبهم الإيمان وقد أبطل الله توهم المجبرة بقوله " واتبع هواه " وقرئ غفلنا قلبه بإسناد الفعل إلى القلب على معنى : حسبنا قلبه غافلين من أغفلته إذا وجدته غافلا " فرطا " متقدما للحق والصواب نابذا له وراء ظهره من قولهم فرس فرط متقدم للخيل .
" وقل الحق من ربكم فمن شاء فلؤمن ومن شاء فليكفر إنا اعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها وإن يستغاثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا " .
" وقل الحق من ربكم " الحق خبر مبتدأ محذوف . والمعنى : جاء الحق وزاحت العلل فلم يبق إلا اختياركم لأنفسكم ما شئتم من الأخذ في طريق النجاة أو في طريق الهلاك . وجيء بلفظ الأمر والتخيير لأنه لما مكن من اختيار أيهما شاء فكأنه مخير مأمور بأن يتخير ما شاء بن النجدين . شبه ما يحيط بهم من النار بالسرادق وهو الحجرة التي تكون حول الفسطاط وبيت مسردق : ذو سرادق وقيل : هو دخان يحيط بالكفار قبل دخولهم النار . وقيل : حائط من نار يطيف بهم " يغاثوا بماء كالمهل " كقوله : .
......فاعتبروا بالصيلم .
وفيه تهكم . والمهل : ما أذيب من جواهر الأرض . وقيل : دردي الزيت " يشوي الوجوه " إذا قدم ليشرب انشوى الوجه من حرارته . عن النبي A : " هو كعكر الزيت فإذا قرب إليه سقطت فروة وجهه " " بئس الشراب " ذلك " وساءت " النار " مرتفقا " متكأ من المرفق وهذا لمشاكلة قوله " وحسنت مرتفقا " الكهف : 31 ، وإلا فلا ارتفاق لأهل النار ولا اتكاء إلا أن يكون من قوله : .
إني أرقت فبت الليل مرتفقا ... كأن عيني فيها الصاب مذبوح