لقن الله عباده وفقههم كيف يثنون عليه ويحمدونه على أجزل نعمائه عليهم وهي نعمة الإسلام وما أنزل على عبده محمد A من الكتاب الذي هو سبب نجاتهم وفوزهم " ولم يجعل له عوجا " ولم يجعل له شيئا من العوج قط والعوج في المعاني كالعوج في الأعيان والمراد نفي الاختلاف والتناقض عن معانيه وخروج شيء منه من الحكمة والإصابة فيه . فإن قلت : بم انتصب " قيما " ؟ قلت : الأحسن أن ينتصب بمضمر ولا يجعل حالا من الكتاب لأن قوله " ولم يجعل " معطوف على أنزل فهو داخل في حيز الصلة فجاعله حالا من الكتاب فاصل بين الحال وذي الدال ببعض الصلة وتقديره : ولم يجعل له عوجا جعله قيما لأنه إذا نفى عنه العوج فقد أثبت له الاستقامة . فإن قلت : ما فائدة الجمع بين نفي العوج إثبات الاستقامة وفي أحدهما غنى عن الآخر ؟ قلت : فائدته التأكيد فرب مستقيم مشهود له بالاستقامة ولا يخلو من أدنى عوج عند السبر والتصفح . وقيل : قيما على سائر الكتب مصدقا لها شاهدا بصحتها . وقيل : قيما بمصالح العباد وما لا بد لهم منه من الشرائع وقرئ قيما أنذر متعد إلى مفعولين كقوله " إنا أنذرنا كم عذابا قريبا " النبأ : 40 ، فاقتصر على أحدهما وأصله " لينذر " الذين كفروا " بأسا شديدا " والبأس من قوله " بعذاب بئيس " الأعراف : 165 ، وقد بؤس العذاب وبؤس الرجل بأسا وبآسة " من لدنه " صادرا من عنده . وقرئ من لدنه بسكون الدال مع إشمام الضمة وكسر النون " ويبشر " بالتخفيف والتثقيل . فإن قلت : لم اقتصر على أحد مفعولي أنذر ؟ قلت : قد جعل المنذر به هو الغرض المسبوق إليه فوجب الاقتصار عليه . والدليل عليه تكرير الإنذار في قوله " وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا " متعلقا بالمنذرين من غير ذكر المنذر به كما ذكر المبشر به في قوله : " أن لهم أجرا حسنا " استغناء بتقدم ذكره . والأجر الحسن : الجنة " ما لهم به من علم " أي بالولد أو باتخاذه يعني أن قولهم هذا لم يصدر عن علم ولكن عن جهل مفرط وتقليد للآباء وقد استملته آباؤهم من الشيطان وتسويله . فإن قلت : اتخاذ الله ولدا في نفسه محال فكيف قيل : ما لهم به من علم ؟ قلت : معناه ما لهم به من علم ؟ لأنه ليس مما يعلم لاستحالته وانتفاء العلم بالشيء إما للجهل بالطريق الموصل إليه وإما لأنه في نفسه محال لا يستقيم تعلق العلم به . قرئ كبرت كلمة وكلمة : بالنصب على التمييز والرفع على الفاعلية والنصب أقوى وأبلغ . وفيه معنى التعجب كأنه قيل : ما أكبرها كلمة . و " تخرج من أفواههم " صفة للكلمة تفيد استعظاما لاجترائهم على النطق بها وإخراجها من أفواههم فإن كثيرا مما يوسوسه الشيطان في قلوب الناس ويحدثون به أنفسهم من المنكرات لا يتمالكون أن يتفوهوا به ويطلقوا به ألسنتهم بل يكظمون عليه تشورا من إظهاره فكيف بمثل هذا المنكر ؟ وقرئ كبرت بسكون الباء مع إشمام الضمة . فإن قلت : إلام يرجع الضمير في كبرت ؟ قلت : إلى قولهم " اتخذ الله ولدا " وسميت كلمة كما يسمون القصيدة بها .
" فلعلك باخع نفسك على أثرهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا " .
شبهه وإياهم حين تولوا عنه ولم يؤمنوا به وما تداخله من الوجد والأسف على توليهم برجل فارقه أحبته وأعزته فهو يتساقط حسرات على آثارهم ويبخع نفسه وجدا عليهم وتلهفا على فراقهم . وقرئ باخع نفسك على الأصل وعلى الإضافة : أي قاتلها ومهلكها وهو للاستقبال فيمن قرأ إن لم يؤمنوا وللمضي فيمن قرأ أن لم يؤمنوا بمعنى : لأن لم يؤمنوا " بهذا الحديث " بالقرآن " أسفا " مفعول له أي : لفرط الحزن . ويجوز أن يكون حالا والأسف : المبالغة في الحزن والغضب . يقال : رجل أسف وأسيف .
" إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جزرا أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيأ لنا من أمرنا رشدا فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا "