" ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين " .
" ثم أوحينا إليك " في ثم هذه ما فيها من تعظيم منزلة رسول الله A وإجلال محله والإيذان بأن أشرف ما أوتي خليل الله إبراهيم من الكرامة وأجل ما أولي من النعمة : اتباع رسول الله A ملته . من قبل أنها دلت على تباعد هذا النعت في المرتبة من بين سائر النعوت التي أثنى الله عليه بها .
" إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه وإن ربك ليحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون " .
" السبت " مصدر سبتت اليهود إذا عظمت سبتها . إنما جعل وبال السبت وهو المسخ " على الذين اختلفوا فيه " واختلافهم فيه أنهم أحلوا الصيد فيه تارة وحرموه تارة وكان الواجب عليهم أن يتفقوا في تحريمه على كلمة واحدة بعد ما حتم الله عليهم الصبر عن الصيد فيه وتعظيمه . والمعنى في ذكر ذلك نحو المعنى في ضرب القرية التي كفرت بأنعم الله مثلا وغير ما ذكر وهو الإنذار من سخط الله على العصاة والمخالفين لأوامره والخالعين ربقة طاعته . فإن قلت : ما معنى الحكم بينهم إذا كانوا جميعا محلين أو محرمين ؟ قلت : معناه أنه يجازيهم جزاء اختلاف فعلهم في كونهم محلين تارة ومحرمين أخرى ووجه آخر : وهو أن موسى عليه السلام أمرهم أن يجعلوا في الأسبوع يوما للعبادة وأن يكون يوم الجمعة فأبوا عليه وقالوا : نريد اليوم الذي فرغ الله فيه من خلق السموات والأرض وهو السبت إلا شرذمة منهم قد رضوا بالجمعة فهذا اختلافهم في السبت لأن بعضهم اختاره وبعضهم اختار عليه الجمعة فأذن الله لهم في السبت وابتلاهم بتحريم الصيد فيه فأطاع أمر الله الراضون بالجمعة فكانوا لا يصيدون فيه وأعقابهم لم يصبروا عن الصيد فمسخهم الله دون أولئك وهو يحكم " بينهم يوم القيامة " فيجازي كل واحد من الفريقين بما يستوجبه . ومعنى جعل السبت : فرض عليهم تعظيمه وترك الاصطياد فيه . وقرئ : إنما جعل السبت على البناء للفاعل وقرأ عبد الله : إنا أنزلنا السبت .
" ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين " .
" إلى سبيل ربك " إلى الإسلام " بالحكمة " بالمقالة المحكمة الصحيحة وهي الدليل الموضح للحق المزيل للشبهة " والموعظة الحسنة " وهي التي لا يخفى عليهم أنك تناصحهم بها وتقصد ما ينفعهم فيها . ويجوز أن يريد القرآن أي : ادعهم بالكتاب الذي هو حكمة وموعظة حسنة " وجادلهم بالتي هي أحسن " بالطريقة التي هي أحسن طرق المجادلة من الرفق واللين من غير فظاظة ولا تعنيف " إن ربك هو أعلم " بهم فمن كان فيه خير كفاه الوعظ القليل والنصيحة اليسيرة ومن لا خير فيه عجزت عنه الحيل وكأنك تضرب منه في حديد بارد .
" وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون " .
سمي الفعل الأول باسم الثاني للمزاوجة . والمعنى : إن صنع بكم صنيع سوء من قتل أو نحوه فقابلوه بمثله ولا تزيدوا عليه . وقرئ : وإن عقبتم فعقبوا أي : وإن قفيتم بالانتصار فقفوا بمثل ما فعل بكم . روي :