" من البدو " من البادية لأنهم كانوا أهل عمد وأصحاب مواش ينتقلون في المياه والمناجع " نزع " أفسد بيننا وأغرى وأصله من نخس الرائض الدابة وحمله على الجري . يقال : نزغه ونسغه إذا نخسه " لطيف لما يشاء " لطيف التدبير لأجله رفيق حتى يجيء على وجه الحكمة والصواب . وروي أن يوسف أخذ بيد يعقوب فطاف به في خزائنه فأدخله خزائن الورق والذهب وخزائن الحلي وخزائن الثياب وخزائن السلاح وغير ذلك فلما أدخله خزانة القراطيس قال : يا بني ما أعقك : عندك هذه القراطيس وما كتبت إلي على ثمان مراحل ؟ قال : أمرني جبريل . قال أو ما تسأله ؟ قال : أنت أبسط إليه مني فسله . قال جبريل عليه السلام : الله تعالى أمرني بذلك لقولك " وأخاف أن يأكله الذئب " يوسف : 13 ، قال : فهلا خفتني ؟ وروي أن يعقوب أقام معه أربعا وعشرين سنة ثم مات . وأوصى أن يدفنه بالشام إلى جنب أبيه إسحاق فمضى بنفسه ودفنه ثمة ثم عاد إلى مصر وعاش بعد أبيه ثلاثا وعشرين سنة فلما تم أمره وعلم أنه لا يدوم له طلبت نفسه الملك الدائم الخالد فتاقت نفسه إليه فتمنى الموت وقيل : ما تمناه نبي قبله ولا بعده فتوفاه الله طيبا طاهرا فتخاصم أهل مصر وتشاحوا في دفنه : كل يحب أن يدفن في محلتهم حتى هموا بالقتال فرأوا من الرأي أن عملوا له صندوقا من مرمر وجعلوه فيه ودفنوه في النيل بمكان يمر عليه الماء ثم يصل إلى مصر ليكونوا كلهم فيه شرعا واحدا وولد له : إفراثيم وميشا وولد لإفراثيم نون ولنون يوشع فتى موسى ولقد توارثت الفراعنة من العماليق بعده مصر ولم يزل بنو إسرائيل تحت أيديهم على بقايا دين يوسف وآبائه . إلى أن بعث الله موسى عليه السلام .
" رب قد آتيني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السموات والأرض أنت ولي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين " .
من في " من الملك " و " من تأويل الأحاديث " للتبعيض لأنه لم معط إلا بعض ملك الدنيا أو بعض ملك مصر وبعض التأويل " أنت ولي " أنت الذي تتولاني بالنعمة في الدارين وبوصل الملك الفاني بالملك الباقي " توفني مسلما " طلب للوفاة على حال الإسلام ولأن يختم له بالخير والحسنى كما قال يعقوب لولده " ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون " آل عمران : 102 ، ويجوز أن يكون تمنيا للموت على ما قيل " وألحقني بالصالحين " من آبائي أو على العموم . وعن عمر بن عبد العزيز : أن ميمون بن مهران بات عنده فرآه كثير البكاء والمسألة للموت فقال له : صنع الله على يديك خيرا كثيرا : أحييت سننا وأمت بدعا وفي حياتك خير وراحة للمسلمين فقال : أفلا أكون كالعبد الصالح لما أقر الله عينه وجمع له أمره قال : توفني مسلما وألحقني بالصالحين . فإن قلت : علام انتصب فاطر السموات ؟ قلت على أنه وصف لقوله " رب " كقولك : أخا زيد حسن الوجه . أو على النداء .
" ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون " .
" ذلك " إشارة إلى ما سبق من نبأ يوسف والخطاب لرسول الله A ومحله الابتداء . وقوله : " من أنباء الغيب نوحيه إليك " خبر إن . ويجوز أن يكون اسما موصولا بمعنى الذي و " من أنباء الغيب " صلته و " نوحيه " الخبر . والمعنى : أن هذا النبأ غيب لم يحصل لك إلا من جهة الوحي لأنك لم تحضر بني يعقوب حين أجمعوا أمرهم وهو لقاؤهم أخاهم في البئر كقوله : " وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب " يوسف : 15 ، ؟ وهذا تهكم بقريش وبمن كذبه لأنه لم يخف على أحد من المكذبين أنه لم يكن من حملة هذا الحديث وأشباهه ولا لقي فيها أحدا ولا سمع منه . ولم يكن من علم قومه . فماذا أخبر به وقص هذا القصص العجيب الذي أعجز حملته ورواته لم تقع شبهة في أنه ليس منه وأنه من جهة الوحي فإذا أنكروه تهكم بهم . وقيل لهم : قد علمتم يا مكابرة أنه لم يكن شاهدا لمن مضى من القرون الخالية : ونحوه : " وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر " القصص : 44 ، " وهم يمكرون " بيوسف ويبغون له الغوائل .
" ما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين وما تسألهم عليه من أجر إن هو إلا ذكر للعالمين "