ليأتين على جهنم يوم تصفق فيه أبوابها ليس فيها أحد وذلك بعد ما يلبثون فيها أحقابا وقد بلغني أن من الضلال من اغتر بهذا الحديث فاعتقد أن الكفار لا يخلدون في النار . وهذا ونحوه والعياذ بالله من الخذلان المبين زادنا الله هداية إلى الحق ومعرفة بكتابه وتنبيها على أن نعقل عنه ولئن صح هذا عن ابن العاص فمعناه أنهم يخرجون من حر النار إلى برد الزمهرير فذلك خلو جهنم وصفق أبوابها وأقول : ما كان لابن عمرو في سيفيه ومقاتلته بهما علي بن أبي طالب Bه ما يشغله عن تسيير هذا الحديث .
" وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ فلا تك في مرية مما يعبد هؤلاء ما يعبدون إلا كما يعبد آباؤهم من قبل وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص " .
" غير مجذوذ " غير مقطوع ولكنه ممتد إلى غير نهاية كقوله : " لهم أجر غير ممنون " فصلت : 8 ، لما قص قصص عبدة الأوثان وذكر ما أحل بهم من نقمه وما أعد لهم من عذابه قال : " فلا تك في مرية مما يعبد هؤلاء " أي : فلا تشك بعد ما أنزل عليك من هذه القصص في سوء عاقبة عبادتهم وتعرضهم بها لما أصاب أمثالهم قبلهم تسلية لرسول الله A وعدة بالانتقام منهم ووعيدا لهم ثم قال : " ما يعبدون إلا كما يعبد آباؤهم " يريد أن حالهم في الشرك مثل حال آبائهم من غير تفاوت بين الحالين وقد بلغك ما نزل بآبائهم فسينزلن بهم مثله وهو استئناف معناه تعليل النهي عن المرية . وما في مما وكما : يجوز أن تكون مصدرية وموصولة أي : من عبادتهم وكعبادتهم . أو مما يعبدون من الأوثان ومثل ما يعبدون منها " وإنا لموفوهم نصيبهم " أي حظهم من العذاب كما وفينا آباءهم أنصباءهم . فإن قلت : كيف نصب " غير منقوص " حالا عن النصيب الموفى ؟ قلت : يجوز أن يوفى وهو ناقص ويوفى وهو كامل . ألا تراك تقول . وفيته شطر حقه وثلث حقه وحقه كاملا وناقصا .
" ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه ولولا كلمة من ربك لقضي بينهم وإنهم لفي شك منه مريب " .
" فاختلف فيه " آمن به قوم وكفر به قوم كما اختلف في القرآن " ولولا كلمة " يعني كلمة الإنظار إلى يوم القيامة " لقضي بينهم " بين قوم موسى أو قومك . وهذه من جملة التسلية أيضا .
" وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم إنه بما يعملون خبير " .
" وإن كلا " التنوين عوض من المضاف إليه يعني : وإن كلهم وإن جميع المختلفين فيه " ليوفينهم " جواب قسم محذوف . واللام في " لما " موطئة للقسم وما مزيدة والمعنى : وإن جميعهم والله ليوفينهم " ربك أعمالهم " من حسن وقبيح وإيمان وجحود . وقرئ : وإن كلا بالتخفيف على إعمال المخففة عمل الثقيلة اعتبارا لأصلها الذي هو التثقيل . وقرأ أبي : وإن كل لما ليوفينهم على أن إن نافية . ولما بمعنى إلا . وقراءة عبد الله مفسرة لها . وإن كل إلا ليوفينهم وقرأ الزهري وسليمان بن أرقم وإن كلا لما ليوفينهم بالتنوين كقوله : " أكلا لما " الفجر : 19 ، والمعنى : وإن كلا ملمومين بمعنى مجموعين كأنه قيل : وإن كلا جميعا كقوله : " فسجد الملائكة كلهم أجمعون " الحجر : 30 .
" فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطعنوا إنه بما تعملون بصير " .
" فاستقم كما أمرت " فاستقم استقامة مثل الاستقامة التي أمرت بها على جادة الحق غير عادل عنها " ومن تاب معك " معطوف على المستتر في استقم . وإنما جاز العطف عليه ولم يؤكد بمنفصل لقيام الفاصل مقامه . والمعنى : فاستقم أنت وليستقم من تاب على الكفر وآمن معك " ولا تطغوا " ولا تخرجوا عن حدود الله " إنه بما تعملون بصير " عالم فهو مجازيكم به فالقوه . وعن ابن عباس : ما نزلت على رسول الله A في جميع القرآن آية كانت أشد ولا أشق عليه من هذه الآية . ولهذا قال : شيبتني هود والواقعة وأخواتهما .
وروي أن أصحابه قالوا له : لقد أسرع فيك الشيب . فقال : شيبتني هود . وعن بعضهم : رأيت رسول الله A في النوم فقلت له : روي عنك أنك قلت : شيبتني هود . فقال : نعم . فقلت : ما الذي شيبك منها ؟ أقصص الأنبياء وهلاك الأمم ؟ قال : لا ولكن قوله : " فاستقم كما أمرت " . وعن جعفر الصادق Bه " فاستقم كما أمرت " قال : افتقر إلى الله بصحة العزم .
" ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون "