" يدبر " يقضي ويقدر على حسب مقتضى الحكمة ويفعل ما يفعل المتحري للصواب الناظر في أدبار الأمور وعواقبها لئلا يلقاه ما يكره آخرا . و " الأمر " أمر الخلق كله وأمر ملكوت السموات والأرض والعرش . فإن قلت : ما موقع هذه الجملة ؟ قلت : قد دل بالجملة قبلها على عظمة شأنه وملكه بخلق السموات والأرض مع بسطتها واتساعها في وقت يسير وبإلاستواء على العرش وأتبعها هذه الجملة لزيادة الدلالة على العظمة وأنه لا يخرج أمر من الأمور من قضائه وتقديره وكذلك قوله : " ما من شفيع إلا من بعد إذنه " دليل على العزة والكبرياء كقوله : " يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن " النبأ : 38 ، و " ذلكم " إشارة إلى المعلوم بتلك العظمة أي ذلك العظيم الموصوف بما وصف به هو ربكم وهو الذي يستحق منكم العبادة " فاعبدوه " وحده ولا تشركوا به بعض خلقه من ملك أو إنسان فضلا عن جماد لا يضر ولا ينفع " أفلا تذكرون " فإن أدنى التفكر والنظر ينبهكم على الخطأ فيما أنتم عليه " إليه مرجعكم جميعا " أي لا ترجعون فيم العاقبة إلا إليه فاستعدوا للقائه " وعد الله " مصدر مؤكد لقوله : " حقا " مصدر مؤكد لقوله : " وعد الله " . " إنه يبدو الخلق ثم يعيده " استئناف معناه التعليل لوجوب المرجع إليه وهو أن الغرض ومقتضى الحكمة بابتداء الخلق وإعادته هو جزاء المكلفين على أعمالهم . وقرئ : أنه يبدؤ الخلق بمعنى لأنه . أو هو منصوب بالفعل الذي نصب وعد الله : أي وعد الله وعدا بدأ الخلق ثم إعادته . والمعنى : إعادة الخلق بعد بدئه . وقرئ : " وعد الله " على لفظ الفعل . ويبدئ من أبدأ . ويجوز أن يكون مرفوعا بما نصب حقا أي حق حقا بدأ الخلق كقوله : .
أحقا عباد الله أن لست جائيا ... ولا ذاهبا إلا على رقيب .
وقرئ : حق أنه يبدؤ الخلق كقولك : حق أن زيدا منطلق " بالقسط " بالعدل وهو متعلق بيجزى . والمعنى : ليجزيهم بقسطه ويوفيهم أجورهم . أو بقسطهم وبما أقسطوا وعدلوا ولم يظلموا حين آمنوا وعملوا صالحا لأن الشرك ظلم . قال الله تعالى : " إن الشرك لظلم عظيم " لقمان : 13 ، والعصاة : ظلآم أنفسهم وهذا أوجه لمقابلة قوله : " بما كانوا يكفرون " .
" هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون " .
الياء في " ضياء " منقلبة عن واو ضوء لكسرة ما قبلها . وقرئ : ضئاء بهمزتين بينهما ألف على القلب بتقديم اللام على العين كما قيل في عاق : عقا . والضياء أقوى من النور " وقدره " وقدر القمر . والمعنى وقدر مسيره " منازل " أو قدره ذا منازل كقوله تعالى : " والقمر قدرناه منازل " ياسين : 39 ، . " والحساب " وحساب الأوقات من الشهور والأيام والليالي " ذلك " إشارة إلى المذكور أي ما خلقه إلا ملتبسا بالحق الذي هو الحكمة البالغة ولم يخلقه عبثا . وقرئ : يفصل بالياء .
" إن في اختلاف الليل والنهار وما خلق الله في السموات والأرض لآيات لقوم يتقون " .
خض المتقين لأنهم يحذرون العاقبة فيدعوهم الحذر إلى النظر والتدبر .
" إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون " .
" لا يرجون لقاءنا " لا يتوقعونه أصلا ولا يخطرونه ببالهم لغفلتهم المستولية عليهم المذهلة باللذات وحب العاجل عن التفطن للحقائق . أو لا يأملون حسن لقائنا كما يأمله السعداء أو لا يخافون سوء لقائنا الذي يجب أن يخاف " ورضوا بالحياة الدنيا " من الآخرة وآثروا القليل الفاني على الكثير الباقي كقوله تعالى : " أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة " التوبة : 38 ، " واطمأنوا بها " وسكنوا فيها سكون من لا يزعج عنها فبنوا شديدا وأملوا بعيدا .
" إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين "