إن رسول الله A كان إذا نزلت عليه السورة أو الآية قال : اجعلوها في الموضع الذي يذكر فيه كذا وكذا وتوفي رسول الله A ولم يبين لنا لن نضعها وكانت قصتها شبيهة بقصتها فلذلك قرنت بينهما وكانتا تدعيان القرينتين . وعن أبي بن كعب : إنما توهموا ذلك لأن في الأنفال ذكر العهود وفي براءة نبذ العهود . وسئل ابن عيينة Bه فقال : اسم الله سلام وأمان فلا يكتب في النبذ والمحاربة قال الله تعالى : " ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا " النساء : 94 ، قيل : فإن النبي A قد كتب إلى أهل الحرب : بسم الله الرحمن الرحيم . قال : إنما ذلك ابتداء يدعوهم ولم ينبذ إليهم ألا تراه يقول : سلام على من اتبع الهدى فمن دعي إلى الله D فأجاب ودعي إلى الجزية فأجاب فقد اتبع الهدى وأما النبذ فإنما هو البراءة واللعنة وأهل الحرب لا يسلم عليهم ولا يقال : لا تفرق ولا تخف ومترس ولا بأس : هذا أمان كله . وقيل : سورة الأنفال والتوبة سورة واحدة كلتاهما نزلت في القتال تعدان السابعة من الطول وهي سبع وما بعدها المئون وهذا قول ظاهر لأنهما معا مائتان وست فهما بمنزلة إحدى الطول . وقد اختلف أصحاب رسول الله A فقال بعضهم : الأنفال وبراءة سورة واحدة . وقال بعضهم : هما سورتان فتركت بينهما فرجة لقول من قال : هما سورتان وتركت بسم الله الرحمن الرحيم لقول من قال : هما سورة واحدة .
" براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة أشهر واعلموا أنكم غير معجزي الله وأن الله مخزي الكافرين " .
" براءة " خبر مبتدأ محذوف أي هذه براءة و " من " لابتداء الغاية متعلق بمحذوف وليس بصلة كما في قولك : برئت من الدين . والمعنى : هذه براءة واصلة من الله ورسوله " إلى الذين عاهدتم " كما يقال : كتاب من فلان إلى فلان . ويجوز أن يكون " براءة " مبتدأ لتخصيصها بصفتها والخبر " إلى الذين عاهدتم " كما تقول : رجل من بني تميم في الدار وقرئ براءة بالنصب على : اسمعوا براءة وقرأ أهل نجران من الله بكسر النون والوجه الفتح مع لام التعريف لكثرته . والمعنى أن الله ورسوله قد برئا من العهد الذي عاهدتم به المشركين وأنه منبوذ إليهم . فإن قلت : لم علقت البراءة بالله ورسوله والمعاهدة بالمسلمين ؟ قلت : قد أذن الله في معاهدة المشركين أولا فاتفق المسلمون مح رسول الله A وعاهدوهم فلما نقضوا العهد أوجب الله تعالى النبذ إليهم فخوطب المسلمون بما تجدد من ذلك فقيل لهم : اعلموا أن الله ورسوله قد بردا مما عاهدتم به المشركين . وروي أنهم عاهدوا المشركين من أهل مكة وغيرهم من العرب فنكثوا إلا ناسا منهم وهم بنو ضمرة وبنو كنانة فنبذ العهد إلى الناكثين وأمروا أن يسيحوا في الأرض أربعة أشهر آمنين أين شاؤا لا يتعرض لهم وهي الأشهر الحرم في قوله : " فإذا انسلخ الأشهر الحرم " وذلك لصيانة الأشهر الحرم من القتل والقتال فيها .
وكان نزولها سنة تسع من الهجرة وفتح مكة سنة ثمان وكان الأمير فيها عتاب بن أسيد فأمر رسول الله A أبا بكر Bه على موسم سنة تسع ثم أتبعه عليا Bه راكب العضباء ليقرأها على أهل الموسم فقيل له : لو بعثت بها إلى أبي بكر Bه ؟ فقال : لا يؤدي عني إلا رجل مني فلما دنا علي سمع أبو بكر الرغاء فوقف وقال : هذا رغاء ناقة رسول الله A فلما لحقه قال : أمير أو مأمور ؟ قال : مأمور . وروي :