" فتنة " ذنبا . قيل هو إقرار المنكر بين أظهرهم . وقيل : افتراق الكلمة . وقيل : " فتنة " عذابا . وقوله : " لا تصيبن " لا يخلو من أن يكون جوابا للأمر . أو نهيا بعد أمر . أو صفة لفتنة فإذا كان جوابا فالمعنى إن إصابتكم لا تصيب الظالمين منكم خاصة ولكنها تعمكم وهذا كما يحكى أن علماء بني إسرائيل نهوا عن المنكر تعذيرا فعمهم الله بالعذاب وإذا كانت نهيا بعد أمر فكأنه قيل : واحذروا ذنبا أو عقابا ثم قيل : لا تتعرضوا للظلم فيصيب العقاب أو أثر الذنب ووباله من ظلم منكم خاصة وكذلك إذا جعلته صفة على إرادة القول كأنه قيل : واتقوا فتنة مقولا فيها لا تصيبن ونظيره قوله : .
حتى إذا جن الظلام واختلط ... جاءوا بمذق هل رأيت الذئب قط .
أي بمذق مقول فيه هذا القول لأنه سمار فيه لون الورق التي هي لون الذئب . ويعضد المعنى الأخير قراءة ابن مسعود : " لتصيبن " على جواب القسم المحذوف . وعن الحسن : نزلت في علي وعمار وطلحة والزبير وهو يوم الجمل خاصة . قال الزبير : نزلت فينا وقرأناها زمانا وما أرانا من أهلها فإذا نحن المعنيون بها . وعن السدي : نزلت في أهل بدر فاقتتلوا يوم الجمل . وروي : أن الزبير كان يساير النبي A يوما إذ أقبل علي Bه فضحك إليه الزبير فقال رسول الله A كيف حبك لعلي ؟ فقال يا رسول الله بأبي أنت وأمي إني أحبه كحبي لوالدي أو أشد حبا . قال : فكيف أنت إذا سرت إليه تقاتله فإن قلت : كيف جاز أن يدخل النون المؤكدة في جواب الأمر ؟ قلت : لأن فيه معنى النهي إذا قلت : أنزل عن الدابة لا تطرحك فلذلك جاز لا تطرحنك ولا تصيبن ولا يحطمنكم . فإن قلت : فما معنى من في قوله : " الذين ظلموا منكم " قلت : التبعيض على الوجه الأول والتبيين على الثاني لأن المعنى : لا تصيبنكم خاصة على ظلمكم ؟ لأن الظلم أقبح منكم من سائر الناس .
" واذكروا إذ كنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون " .
" إذ أنتم " نصبه على أنه مفعول به مذكور لا ظرف : أي اذكروا وقت كونكم أقلة أذلة مستضعفين " في الأرض " أرض مكة قبل الهجرة تستضعفكم قريش " تخافون أن يتخطفكم الناس " لأن الناس كانوا جميعا لهم أعداء منافين مضادين " فآواكم " إلى المدينة " وأيدكم بنصره " بمظاهرة الأنصار وبإمداد الملائكة يوم بدر " ورزقكم من الطيبات " من الغنائيم " لعلكم تشكرون " إرادة أن تشكروا هذه النعم وعن قتادة : كان هذا الحي من العرب أذل الناس وأشقاهم عيشا وأعراهم جلدا وأبينهم ضلالا يؤكلون ولا يأكلون فمكن الله لهم في البلاد ووسع لهم في الرزق والغنائم وجعلهم ملوكا .
" يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول ولا تخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون " .
معنى الخون : النقص كما أن معنى الوفاء التمام . ومنه : تخونه إذا تنقصه ثم استعمل في ضد الأمانة والوفاء لأنك إذا خنت الرجل في شيء فقد أدخلت عليه النقصان فيه وقد استعير فقيل : خان الدلو الكرب وخان المشتار السبب لأنه إذا انقطع به فكأنه لم يف له . ومنه قوله تعالى : " وتخونوا أماناتكم " والمعنى لا تخونوا الله بأن تعطلوا فرائضه ورسوله بأن لا تستنوا به . و " أماناتكم " فيما بينكم بأن لا تحفظوها " وأنتم تعلمون " تبعة ذلك ووباله وقيل وأنتم تعلمون أنكم تخونون يعني أن الخيانة توجد منكم عن تعمد لا عن سهو . وقيل : وأنتم علماء تعلمون قبح القبيح وحسن الحسن . وروي :