نزلت فينا معشر أصحاب بدر حين اختلفنا في النفل وساءت فيه أخلاقنا فنزعه الله من أيدينا فجعله لرسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فقسمه بين المسلمين على السواء وكان في ذلك تقوى الله وطاعة رسوله وإصلاح ذات البين . وقرأ ابن محيصن : يسألونك علنفال بحذف الهمزة وإلقاء حركتها على اللام وإدغام نون عن في اللام : وقرأ ابن مسعود : يسألونك الأنفال أي يسألك الشبان ما شرطت لهم من الأنفال . فإن قلت : ما معنى الجمع بين ذكر الله والرسول في قوله : " قل الأنفال لله ورسوله " قلت : معناه أن حكمها مختص بالله ورسوله يأمر الله بقسمتها على ما تقتضيه حكمته ويمتثل الرسول أمر الله فيها وليس الأمر في قسمتها مفوضا إلى رأي أحد والمراد : أن الذي اقتضته حكمة الله وأمر به رسوله أن يواسي المقاتلة المشروط لهم النفيل الشيوخ الذين كانوا عند الرايات فيقاسموهم على السوية ولا يستأثروا بما شرط لهم فإنهم إن فعلوا لم يؤمن أن يقدح ذلك فيما بين المسلمين من التحاب والتصافي " فاتقوا الله " في الاختلاف والتخاصم وكونوا متحدين متآخين في الله " وأصلحوا ذات بينكم " وتآسوا وتساعدوا فيما رزقكم الله وتفضل به عليكم . وعن عطاء : كان الإصلاح بينهم أن دعاهم وقال : اقسموا غنائمكم بالعدل فقالوا : قد أكلنا وأنفقنا فقال : ليرد بعضكم على بعض . فإن قلت : ما حقيقة قوله : " ذات بينكم " قلت : أحوال بينكم يعني ما بينكم من الأحوال حتى تكون أحوال إلفة ومحبة واتفاق كقوله : " بذات الصدور " آل عمران : 199 ، وهي مضمراتها . لما كانت الأحوال ملابسة للبين قيل لها : ذات البين كقولهم : اسقني ذا إنائك يريدون ما في الإناء من الشراب . وقد جعل التقوى وإصلاح ذات البين وطاعة الله ورسوله من لوازم الإيمان وموجباته ليعلمهم أن كمال الإيمان موقوف على التوفر عليها . ومعنى قوله : " إن كنتم مؤمنين " إن كنتم كاملي الإيمان . واللام في قوله : " إنما المؤمنون " إشارة إليهم . أي إنما الكاملو الإيمان من صفتهم كيت وكيت والدليل عليه قوله : " أولئك هم المؤمنون حقا " . " وجلت قلوبهم " فزعت . وعن أم الدرداء : الوجل في القلب كاحتراق السعفة أما تجد له قشعرير ؟ قال : بلى قالت : فادع الله فإن الدعاء يذهبه . يعني فزعت لذكره استعظاما له وتهيبا من جلاله وعزة سلطانه وبطشه بالعصاة وعقابه وهذا الذكر خلاف الذكر في قوله : " ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله " الزمر : 23 ، لأن ذلك ذكر رحمته ورأفته وثوابه . وقيل : هو الرجل يريد أن يظلم أو يهم بمعصية فيقال له : اتق الله فينزع . وقرئ وجلت بالفتح وهي لغة نحو وبق في وبق وفي قراءة عبد الله : فرقت " زادتهم إيمانا " ازدادوا بها يقينا وطمأنينة في نفس . لأن تظاهر الأدلة أقوى للمدلول عليه وأثبت لقدمه وقد حمل على زيادة العمل . وعن أبي هريرة رضي الله عنه : عن النبي A :