أجريت الأصنام مجرى أولي العلم في قوله : " وهم يخلقون " بناء على اعتقادهم فيها وتسميتهم إياها آلهة . والمعنى : أيشركون ما لا يقدر على خلق شيء كما يخلق الله وهم يخلقون ؟ لأن الله D خالقهم . أو لا يقدر على اختلاق شيء لأنه جماد وهم يخلقون ؟ لأن عبدتهم يختلقونهم فهم أعجز من عبدتهم " لا يستطيعون لهم " لعبدتهم " نصرا ولا أنفسهم ينصرون " فيدفعون عنها ما يعتريها من الحوادث بل عبدتهم هم الذي يدفعون عنهم ويحامون عليهم وإن تدعوهم " وإن تدعوا هذه الأصنام " إلى الهدى " أي إلى ما هو هدى ورشاد وإلى أن يهدوكم . والمعنى : وإن تطلبوا منهم كما تطلبون من الله الخير والهدى لا يتبعوكم إلى مرادكم وطلبتكم ولا يجيبوكم كما يجيبكم الله . ويدل عليه قوله : " فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين " " سواء عليهم أدعوتهم " أم صمتم عن دعائهم في أنه لا فلاح معهم . فإن قلت : هلا قيل : أم صمتم ؟ ولم وضعت الجملة الاسمية موضع الفعلية ؟ قلت : لأنهم كانوا إذا حزبهم أمر دعوا الله دون أصنامهم كقوله : " وإذا مس الناس ضر " الروم : 33 ، فكانت حالهم المستمرة أن يكونوا صامتين عن دعوتهم فقيل : إن دعوتموهم لم تفترق الحال بين إحداثكم دعاءهم وبين ما أنتم عليه من عادة صمتكم عن دعائهم .
" إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها قل ادعوا شركاءكم ثم كيدون فلا تنظرون " .
" إن الذين تدعون من دون الله " أي تعبدونهم وتسمونهم آلهة من دون الله " عباد أمثالكم " وقوله : " عباد أمثالكم " استهزاء بهم أي قصارى أمرهم أن يكونوا أحياء عقلاء فإن ثبت ذلك فهم عباد أمثالكم لا تفاضل بينكم . ثم أبطل أن يكونوا عبادا أمثالهم فقال : " ألهم أرجل يمشون بها " وقيل : عباد أمثالكم مملوكون أمثالكم . وقرأ سعيد بن جبير : إن الذين تدعون من دون الله عبادا أمثالكم بتخفيف إن ونصب عبادا أمثالكم والمعنى : ما الذين تدعون من دون الله عبادا أمثالكم على إعمال إن النافية عمل ما الحجازية " قل ادعوا شركاءكم " واستعينوا بهم في عداوتي " ثم كيدون " جميعا أنتم وشركاؤكم " فلا تنظرون " فإني لا أبالي بكم ولا يقول هذا إلا واثق بعصمة الله وكانوا قد خوفوه آلهتهم فأمر أن يخاطبهم بذلك كما قال قوم هود له : " إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء " هود : 54 ، قال لهم : " إني بريء مما تشركون من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون " هود : 55 .
" إن ولي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون " .
" إن ولي الله " أي ناصري عليكم الله " الذي نزل الكتاب " الذي أوحى إلي كتابه وأعزني برسالته " وهو يتولى الصالحين " ومن عادته أن ينصر الصالحين من عباده وأنبيائه ولا يخذلهم .
" وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون " .
" ينظرون إليك " يشبهون الناظرين إليك لأنهم صوروا أصنامهم بصورة من قلب حدقته إلى الشيء ينظر إليه " وهم لا يبصرون " وهم لا يدركون المرئي .
" خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين " .
" العفو " ضد الجهد : أي خذ ما عفا لك من أفعال الناس وأخلاقهم وما أتى منهم وتسهل من غير كلفة ولا تداقهم ولا تطلب منهم الجهد وما يشق عليهم حتى لا ينفروا كقوله A : " يسروا ولا تعسروا " قال : .
خذي العفو مني تستديمي مودتي ... ولا ينطقي في سورتي حين أغضب .
وقيل : خذ الفضل وما تسهل من صدقاتهم وذلك قبل نزول آية الزكاة فلما نزلت أمر أن يأخذهم بها طوعا أو كرها . والحرف : المعروف والجميل من الأفعال " وأعرض عن الجاهلين " ولا تكافئ السفهاء بمثل سفههم ولا تمارهم واحلم عنهم وأغض على ما يسوؤك منهم . وقيل : لما نزلت الآية سأل جبريل ما هذا فقال : لا أدري حتى أسأل العالم ثم رجع فقال : يا محمد إن ربك أمرك أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك . وعن جعفر الصادق : أمر الله نبيه E بمكارم الأخلاق وليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق منها .
" وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم "