" فجاءها " فجاء أهلها " بياتا " مصدر واقع موقع الحال بمعنى بائتين . يقال : بات بياتا حسنا وبيتة حسنة وقوله : " هم القائلون " حال معطوفة على بياتا كأنه قيل : جاءهم بأسنا بائتين أو قائلين . فإن قلت : هل يقدر حذف المضاف الذي هو الأهل قبل " قرية " أو قبل الضمير في " أهلكناها " ؟ قلت : إنما يقدر المضاف للحاجة ولا حاجة فإن القرية تهلك كما يهلك أهلها . وإنما قدرناه قبل الضمير في " فجاءها " لقوله " أم هم قائلون " فإن قلت : لا يقال : جاءني زيد هو فارس بغير واو فما بال قوله : " هم قائلون " ؟ قلت : قدر بعض النحويين الواو محذوفة ورده الزجاج وقال : لو قلت جاءني زيد راجلا أو هو فارس . أو جاءني زيد هو فارس لم يحتج فيه إلى واو لأن الذكر قد عاد إلى الأول . والصحيح أنها إذا عطفت على حال قبلها حذفت الواو استثقالا . لاجتماع حرفي عطف لأن واو الحال هي واو العطف استعيرت للوصل فقولك : جاءني زيد راجلا أو هو فارس كلام فصيح وارد على حده وأما جاءني زيد هو فارس فخبيث . فإن قلت : فما معنى قوله : " أهلكناها فجاءها بأسنا " والإهلاك إنما هو بعد مجيء البأس ؟ قلت : معناه أردنا إهلاكها كقوله : " إذا قمتم إلى الصلاة " المائدة : 6 ، وإنما حض هذان الوقتان وقت البيات ووقت القيلولة لأنهما وقت الغفلة والدعة فيكون نزول العذاب فيهما أشد وأفظع وقوم لوط أهلكوا بالليل وقت السحر وقوم شعيب وقت القيلولة .
" فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين " .
" فما كان دعواهم " ما كانوا يدعونه من دينهم وينتحلونه من مذهبهم إلا اعترافهم ببطلانه وفساده . وقولهم : " إنا كنا ظالمين " فيما كنا عليه . ويجوز : فما كان استغاثتهم إلا قولهم هذا لأنه لا مستغاث من الله بغيره ومن قولهم دعواهم : يا لكعب . ويجوز فما كان دعواهم ربهم إلا اعترافهم لعلمهم أن الدعاء لا ينفعهم وأن لات حين دعاء فلا يزيدون على ذم أنفسهم وتحسرهم على ما كان منهم و " دعواهم " نصب خبر لكان و " أن قالوا " رفع اسم له ويجوز العكس .
" فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين فلنقص عليهم بعلم ما كنا غائبين " .
" فلنسألن الذين أرسل إليهم " " أرسل " مسند إلى الجار والمجرور وهو " إليهم " ومعناه : فلنسألن المرسل إليهم وهم الأمم يسألهم عما أجابوا عنه رسلهم كما قال : " ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين " القصص : 65 ، ويسأل المرسلين عما أجيبوا به كما قال : " يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم " المائدة : 109 ، " فليقصن عليهم " على الرسل والمرسل إليهم ما كان منهم " بعلم " عالمين بأحوالهم الظاهرة والباطنة وأقوالهم وأفعالهم " وما كنا غائبين " عنهم وعما وجد منهم فإن قلت : فإذا كان عالما بذلك وكان يقصه عليهم فما معنى سؤالهم ؟ قلت : معناه التوبيخ والتقريع والتقرير إذا فاهوا به بألسنتهم وشهد عليهم أنبياؤهم .
" والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون " .
" والوزن يومئذ الحق " يعني وزن الأعمال والتمييز بين راجحها وخفيفها . ورفعه على الابتداء . وخبره " يومئذ " . " الحق " صفته أي : والوزن يوم يسأل الله الأمم ورسلهم الوزن الحق أي العدل . وقرئ : القسط . واختلف في كيفية الوزن فقيل : توزن صحف الأعمال بميزان له لسان وكفتان تنظر إليه الخلائق تأكيدا للحجة وإظهارا للنصفة وقطعا للمعذرة كما يسألهم عن أعمالهم فيعترفون بها بألسنتهم وتشهد بها عليهم أيديهم وأرجلهم وجلودهم وتشهد عليهم الأنبياء والملائكة والإشهاد وكما تثبت في صحائفهم فيقرؤنها في موقف الحساب . وقيل : هي عبارة عن القضاء السوي والحكم العادل " فمن ثقلت موازينه " جمع ميزان أو موزون أي فمن رجحت أعماله الموزونة التي لها وزن وقدر وهي الحسنات . أو ما توزن به حسناتهم . وعن الحسن : وحق لميزان توضع فيه الحسنات أن يثقل . وحق لميزان توضع فيه السيئات أن يخف . " بآياتنا يظلمون " يكذبون بها ظلما . كقوله : " فظلموا بها الإسراء : 59 .
" ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش قليلا ما تشكرون "