أو أريد عابد آزر فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه . وقرئ : " أزر " تتخذ أصناما آلهة بفتح الهمزة وكسرها بعد همزة الاستفهام وزاي ساكنة وراء منصوبة منونة وهو اسم صنم . ومعناه : أتعبد آزرا على الإنكار ؟ ثم قال : تتخذ أصناما آلهة تثبيتا لذلك وتقريرا وهو داخل في حكم الإنكار لأنه كالبيان له " فلما جن عليه الليل " عطف على قال إبراهيم لأبيه : وقوله : " وكذلك نرى إبراهيم " جملة معترض بها بين المعطوف والمعطوف عليه . والمعنى : ومثل ذلك التعريف والتبصير نعرف إبراهيم ونبصره . ملكوت السموات والأرض : يعني الربوبية والإلهية ونوفقه لمعرفتها ونرشده بما شرحنا صدره وسددنا نظره وهديناه لطريق الاستدلال . وليكون من الموقنين : فعلنا ذلك . ونري : حكاية حال ماضية وكان أبوه آزر وقومه يعبدون الأصنام والشمس والقمر والكواكب فأراد أن ينبههم على الخطأ في دينهم وأن يرشدهم إلى طريق النظر والاستدلال ويعرفهم أن النظر الصحيح مؤد إلى أن شيئا منها لا يصح أن يكون إلها لقيام دليل الحدوث فيها وأن وراءها محدثا أحدثها وصانعا صنعها مدبرا دبر طلوعها وأفولها وانتقالها ومسيرها وسائر أحوالها " هذا ربي " قول من ينصف خصمه مع علمه بأنه مبطل فيحكي قوله كما هو غير متعصب لمذهبه . لأن ذلك أدعى إلى الحق وأنجى من الشغب ثم يكر عليه بعد حكايته فيبطله بالحجة " لا أحب الآفلين " لا أحب عبادة الأرباب المتغيرين من حال إلى حال المتنقلين من مكان إلى آخر المحتجبين بستر فإن ذلك من صفات الأجرام " بازغا " مبتدئا في الطلوع " لئن لم يهديني ربي " تنبيه لقومه على أن من اتخذ القمر إلها وهو نظير الكوكب في الأفول فهو ضال وأن الهداية إلى الحق بتوفيق الله ولطفه " هذا أكبر " من باب استعمال النصفة أيضا مع خصومه " إني بريء مما تشركون " من الأجرام التي تجعلونها شركاء لخالقها " إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض " أي للذي دلت هذه المحدثات عليه وعلى أنه مبتدؤها ومبتدعها . وقيل : هذا كان نظره واستدلاله في نفسه فحكاه الله . والأول أظهر لقوله : " لئن لم يهديني ربي " . وقوله : " يا قوم إني بريء مما تشركون " . فإن قلت : لم احتج عليهم بالأفول دون البزوغ وكلاهما انتقال من حال إلى حال ؟ قلت : الاحتجاج بالأفول أظهر لأنه انتقال مع خفاء واحتجاب . فإن قلت : ما وجه التذكير في قوله : " هذا ربي " والإشارة للشمس ؟ قلت : جعل المبتدأ مثل الخبر لكونهما عبارة عن شيء واحد كقولهم : ما جاءت حاجتك ومن كانت أمك و " لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا " الأنعام : 23 ، وكان اختيار هذه الطريقة واجبا لصيانة الرب عن شبهة التأنيث . ألا تراهم قالوا في صفة الله علام لم يقولوا علامة وإن كان العلامة أبلغ احترازا من علامة التأنيث . وقرئ : " تري إبراهيم ملكوت السموات والأرض " بالتاء ورفع الملكوت . ومعناه : تبصره دلائل الربوبية .
" وحاجه قومه قال أتحاجونني في الله وقد هدان ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شيء علما أفلا تتذكرون وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به من عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين وزكريا ويحيى وعيسى وألياس كل من الصالحين وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط المستقيم ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون أولئك الذين أتيناهم الكتاب والحكم والنبوة فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده قل لا أسألكم عليه أجرا إن هو إلا ذكر للعالمين "