" يخوضون في آياتنا " في الاستهزاء بها والطعن فيها وكانت قريش في أنديتهم يفعلون ذلك " فأعرض عنهم " فلا تجالسهم وقم عنهم " حتى يخوضوا في حديث غيره " فلا بأس أن تجالسهم حينئذ " وإما ينسينك الشيطان " وإن شغلك بوسوسته حتى تنسى النهي عن مجالستهم " فلا تقعد " معهم " بعد الذكرى " بعد أن تذكر اللهي . وقرئ : " ينسينك " بالتشديد . ويجوز أن يراد : وإن كان الشيطان ينسينك قبل النهي قبح مجالسة المستهزئين لأنها مما تنكره العقول " فلا تقعد بعد الذكرى " بعد أن ذكرناك قبحها ونبهناك عليه معهم " وما على الذين تتقون من حسابهم من شيء " ما يلزم المتقين الذين يجالسونهم شيء مما يحاسبون عليه من ذنوبهم " ولكن " عليهم أن يذكروهم " ذكرى " إذا سمعوهم يخوضون بالقيام عنهم وإظهار الكراهة لهم وموعظتهم " لعلهم يتقون " لعلهم يجتنبون الخوض حياء أو كراهة لمساءتهم . ويجوز أن يكون الضمير للذين يتقون أي يذكرونهم إرادة أن يثبتوا على تقواهم ويزدادوها . وروي : أن المسلمين قالوا : لئن كنا نقوم كلما استهزؤا بالقرآن لم نستطع أن نجلس في المسجد الحرام وأن نطوف فرخص لهم . فإن قلت : ما محل " الذكرى " ؟ قلت : يجوز أن يكون نصبا على : ولكن يذكرونهم ذكرى أي تذكيرا . ورفعا على : ولكن عليهم ذكرى . ولا يجوز أن يكون عطفا على محل " من شيء " كقولك : ما في الدار من أحد ولكن زيد لأن قوله : " من حسابهم " يأبى ذلك .
" وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم الحياة الدنيا وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت ليس لها دون الله ولي ولا شفيع وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها أولئك الذين ألبسوا بما كسبوا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون " .
" اتخذوا دينهم لعبا ولهوا " أي دينهم الذي كان يجب أن يأخذوا به لعبا ولهوا . وذلك أن عبادة الأصنام وما كانوا عليه من تحريم البحائر والسوائب وغير ذلك من باب اللعب واللهو واتباع هوى النفس والعمل بالشهوة ومن جنس الهزل دون الجد . أو اتخذوا ما هو لعب ولهو من عبادة الأصنام وغيرها دينا لهم . أو اتخذوا دينهم الذي كلفوه ودعوا إليه وهو دين الإسلام لعبا ولهوا حيث سخروا به واستهزؤا . وقيل : جعل الله لكل قوم عيدا يعظمونه ويصلون فيه ويعمرونه بذكر الله والناس كلهم من المشركين وأهل الكتاب اتخذوا عيدهم لعبا ولهوا وغير المسلمين فإنهم اتخذوا عيدهم كما شرعه الله . ومعنى " ذرهم " أعرض عنهم ولا تبال بتكذيبهم واستهزائهم ولا تشغل قلبك بهم " وذكر به " أي : بالقرآن " أن تبسل نفس " مخافة أن تسلم إلى الهلكة والعذاب وترتهن بسوء كسبها . وأصل الإبسال المنع لأن المسلم إليه يمنع المسلم قال : .
وإبسالي بني بغير جرم ... بعوناه ولا بدم مراق .
ومنه : هذا عليك بسل أي حرام محظور . والباسل : الشجاع لامتناعه من قرنه أو لأنه شديد البسور . يقال : بسر الرجل إذا اشتد عبوسه . فإذا زاد قالوا : بسل . والعابس : منقبض الوجه " وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها " وإن تفد كل فداء والعدل : الفدية . لأن الفادي يعدل المفدي بمثله . وكل عدل : نصب على المصدر . وفاعل " يؤخذ " قوله : " منها " لا ضمير العدل لأن العدل ههنا مصدر فلا يسند إليه الأخذ . وأما في قوله تعالى : " ولا يؤخذ منها عدل " البقرة : 148 ، فبمعنى المفدي به فصح إسناده إليه " أولئك " إشارة إلى المتخذين دينهم لعبا ولهوا . قيل : نزلت في أبي بكر الصديق Bه حين دعاه ابنه عبد الرحمن إلى عبادة الأوثان .
" قل أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران له أصحاب يدعونه إلى الهدى أئتنا قل إن هدى الله هو الهدى وأمرنا لنسلم لرب العالمين "