" شارب الخمر كعابد الوثن " ومنها أنه جعلهما رجسا كما قال تعالى : " فاجتنبوا الرجس من الأوثان " الحج : 30 ، ومنها أنه جعلهما من عمل الشيطان والشيطان لا يأتي منه إلا الشر البحت ومنها أنه أمر بالاجتناب . ومنها أنه جعل الاجتناب من الفلاح وإذا كان الاجتناب فلاحا كان الارتكاب خيبة ومحقة . ومنها أنه ذكر ما ينتج منهما من الوبال وهو وقوع التعادي والتباغض من أصحاب الخمر والقمر وما يؤديان إليه من الصد عن ذكر الله وعن مراعاة أوقات الصلاة . وقوله : " فهل أنتم منتهون " من أبلغ ما ينهى عنه كأنه قيل : قد تلي عليكم ما فيهما من أنواع الصوارف والموانع فهل أنتم مع هذه الصوارف منتهون . أم أنتم على ما كنتم عليه كأن لم توعظوا ولم تزجروا ؟ فإن قلت : إلام يرجع الضمير في قوله : " فاجتنبوه " ؟ قلت : إلى المضاف المحذوف كأنه قيل : إنما شأن الخمر والميسر أو تعاطيهما أو ما أشبه ذلك . ولذلك قال : " رجس من عمل الشيطان " فإن قلت : لم جمع الخمر والميسر مع الأنصاب والأزلام أولا ثم أفردهما آخرا ؟ قلت : لأن الخطاب مع المؤمنين . وإنما نهاهم عما كانوا يتعاطونه من شرب الخمر واللعب بالميسر وذكر الأنصاب والأزلام لتأكيد تحريم الخمر والميسر وإظهار أن ذلك جميعا من أعمال الجاهلية وأهل الشرك فوجب اجتنابه بأسره وكأنه لا مباينة بين من عبد صنما وأشرك بالله في علم الغيب وبين من شرب خمرا أو قامر ثم أفردهما بالذكر ليرى أن المقصود بالذكر الخمر والميسر . وقوله : " وعن الصلاة " اختصاص للصلاة من بين الذكر كأنه قيل : وعن الصلاة خصوصا .
" وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين " " واحذروا " وكونوا حذرين خاشين لأنهم إذا حذروا دعاهم الحذر إلى انقاء كل سيئة وعمل كل حسنة . ويجوز أن يراد : واحذروا ما عليكم في الخمر والميسر أو في ترك طاعة الله والرسول " فإن توليتم فاعلموا " أنكم لم تضروا بتوليكم الرسول لأن الرسول ما كلف إلا البلاغ المبين بالآيات وإنما ضررتم أنفسكم حين أعرضتم عما كلفتم .
" ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين " رفع الجناح عن المؤمنين في أي شيء طعموه من مستلذات المطاعم ومشتهياتها " إذا ما اتقوا " ما حرم عليهم منها " وآمنوا " وثبتوا على الإيمان والعمل الصالح وازدادوه " ثم اتقوا وآمنوا " ثم ثبتوا على التقوى والإيمان " ثم اتقوا وأحسنوا " ثم ثبتوا على اتقاء المعاصي وأحسنوا أعمالهم أو أحسنوا إلى الناس : واسوهم بما رزقهم الله من الطيبات . وقيل لما نزل تحريم الخمر قالت الصحابة : يا رسول الله فكيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يشربون الخمر ويأكلون مال الميسر فنزلت . يعني أن المؤمنين لا جناح عليهم في أي شيء طعموه من المباحات إذا ما اتقوا المحارم ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا على معنى : أن أولئك كانوا على هذه الصفة ثناء عليهم وحمدا لأحوالهم في الإيمان والتقوى والإحسان . ومثاله أن يقال لك : هل على زيد فيما فعل جناح ؟ فتقول - وقد علمت أن ذلك أمر مباح - : ليس على أحد جناح في المباح إذا اتقى المحارم وكان مؤمنا محسنا تريد : أن زيدا تقي مؤمن محسن ؛ وأنه غير مؤاخذ بما فعل .
" يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم ليعلم الله من يخافه بالغيب فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم " نزلت عام الحديبية ابتلاهم الله بالصيد وهم محرمون وكثر عندهم حتى كان يغشاهم في رحالهم فيستمكنون من صيده أخذا بأيديهم وطعنا برماحهم " ليعلم الله من يخافه بالغيب " ليتميز من يخاف عقاب الله وهو غائب منتظر في الآخرة فيتقي الصيد مما لا يخافه فيقدم عليه " فمن اعتدى " فصاد " بعد ذلك " الابتلاء فالوعيد لاحق به . فإن قلت : ما معنى التقليل والتصغير في قوله : " بشيء من الصيد " ؟ قلت : قلل وصغر ليعلم أنه ليس بفتنة من الفتن العظام التي تدحض عندها أقدام الثابتين كالابتلاء ببذل الأرواح والأموال وإنما هو شبيه بما ابتلى به أهل أيلة من صيد السمك وأنهم إذا لم يثبتوا عنده فكيف شأنهم عند ما هو أشد منه . وقرأ إبراهيم : يناله بالياء