" يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفوا عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم " " يا أهل الكتاب " خطاب لليهود والنصارى " مما كنتم تخفون " من نحو صفة رسول الله A ومن نحو الرجم " ويعفوا عن كثير " مما تخفونه لا يبينه إذا لم تضطر إليه مصلحة دينية ولم يكن فيه فائدة إلا اقتضاء حكم وصفته مما لابد من بيانه وكذلك الرجم وما فيه إحياء شريعة وإماتة بدعة . وعن الحسن : ويعفو عن كثير منكم لا يؤاخذه " قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين " يريد القرآن لكشفه ظلمات الشرك والشك لإبانته ما كان خافيا عن الناس من الحق . أو لأنه ظاهر الإعجاز " من اتبع رضوانه " من آمن به " سبل السلام " طرق السلامة والنجاة من عذاب الله أو سبل الله .
" لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا ولله ملك السموات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء والله على كل شيء قدير " قولهم : " إن الله هو المسيح " معناه بت القول على أن حقيقة الله هو المسيح لا غير . قيل : كان في النصارى قوم يقولون ذلك . وقيل : ما صرحوا به ولكن مذهبهم يؤدي إليه حيث اعتقدوا أنه يخلق ويحيي ويميت ويدبر أمر العالم " فمن يملك من الله شيئا " فمن يمنع من قدرته ومشيئته شيئا " إن أراد أن يهلك " من دعوه إلها من المسيح وأمه دلالة على أن المسيح عبد مخلوق كسائر العباد . وأراد بعطف " من في الأرض " على " المسيح وأمه " أنهما من جنسهم لا تفاوت بينهما وبينهم في البشرية " يخلق ما يشاء " أي يخلق من ذكر وأنثى ويخلق من أنثى من غير ذكر كما خلق عيسى ويخلق من غير ذكر وأنثى كما خلق آدم . أو يخلق ما يشاء كخلق الطير على يد عيسى معجزة له وكإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص وغير ذلك . فيجب أن ينسب إليه ولا ينسب إلى البشر المجرى على يده .
" وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ولله ملك السموات والأرض وما بينهما وإليه المصير " " أبناء الله " أشياع ابني الله عزير والمسيح كما قيل لأشياع أبي خبيب وهو عبد الله بن الزبير الخبيبون وكما كان يقول رهط مسيلمة : نحن أنبياء الله . ويقول أقرباء الملك وذووه وحشمه : نحن الملوك . ولذلك قال مؤمن آل فرعون : لكم الملك اليوم . " فلم يعذبكم بذنوبكم " فإن صح أنكم أبناء الله وأحباؤه فلم تذنبون وتعذبون بذنوبكم فتمسخون وتمسكم النار أياما معدودات على زعمكم . ولو كنتم أبناء الله لكنتم من جنس الأب غير فاعلين للقبائح ولا مستوجبين للعقاب . ولو كنتم أحباءه لما عصيتموه ولما عاقبكم " بل أنتم بشر " من جملة من خلق من البشر " يغفر لمن يشاء " وهم أهل الطاعة " ويعذب من يشاء " وهم العصاة .
" يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير والله على كل شيء قدير " " يبين لكم " إما أن يقدر المبين وهو الدين والشرائع وحذفه لظهور ما ورد الرسول لتبيينه . أو يقدر ما كنتم تخفون وحذفه لتقدم ذكره . أو لا يقدر ويكون المعنى . يبذل لكم البيان ومحله النصب على الحال أي مبينا لكم . " على فترة " متعلق بجاءكم أي جاءكم على حين فتور من إرسال الرسل وانقطاع من الوحي " أن تقولوا " كراهة أن تقولوا " فقد جاءكم " متعلق بمحذوف أي لا تعتذروا فقد جاءكم . وقيل : كان بين عيسى ومحمد صلوات الله عليهما خمسمائة وستون سنة . وقيل : ستمائة . وقيل : أربعمائة ونيف وستون . وعن الكلبي : كان بين موسى وعيسى ألف وسبعمائة سنة وألف نبي وبين عيسى ومحمد صلوات الله عليهم أربعة أنبياء . ثلاث من بني إسرائيل وواحد من العرب : خالد بن سنان العبسي . والمعنى : الامتنان عليهم وأن الرسول بعث إليهم حين انطمست آثار الوحي أحوج ما يكون إليه ليهشوا إليه ويعدوه أعظم نعمة من الله وفتح باب إلى الرحمة وتلزمهم الحجة فلا يعتلوا غدا بأنه لم يرسل إليهم من ينبههم عن غفلتهم