" ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم " أي لو أوجبنا عليهم مثل ما أوجبنا على بني إسرائيل من قتلهم أنفسهم أو خروجهم من ديارهم حين استتيبوا من عبادة العجل " ما فعلوه إلا " ناس " قليل منهم " وهذا توبيخ عظيم . والرفع على البدل من الواو في فعلوه . وقرئ : إلا قليلا بالنصب على أصل الاستثناء أو على إلا فعلا قليلا " ما يوعظون به " من اتباع رسول الله A وطاعته . والانقياد لما يراه ويحكم به لأنه الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى " كان خيرا لهم " في عاجلهم وآجلهم " وأشد تثبيتا " لإيمانهم وأبعد من الاضطراب فيه " وإذا " جواب لسؤال مقدر كأنه قيل : وماذا يكون لهم أيضا بعد التثبيت فقيل : وإذا لو ثبتوا " لآتيناهم " لأن إذا جواب وجزاء " من لدنا أجرا عظيما " كقوله : " ويؤت من لدنه أجرا عظيما " النساء : 40 ، في أن المراد العطاء المتفضل به من عنده وتسميته أجرا لأنه تابع للأجر لا يثبت إلا بثباته " ولهديناهم " وللطفنا بهم ووفقناهم لازدياد الخيرات .
" ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما " الصديقون : أفاضل صحابة الأنبياء الذين تقدموا في تصديقهم كأبي بكر الصديق Bه وصدقوا في أقوالهم وأفعالهم . وهذا ترغيب للمؤمنين في الطاعة حيث وعدوا مرافقة أقرب عباد الله إلى الله وأرفعهم درجات عنده " وحسن أولئك رفيقا " فيه معنى التعجب كأنه قيل : وما أحسن أولئك رفيقا ولاستقلاله بمعنى التعجب . قرئ : وحسن بسكون السين . يقول المتعجب : حسن الوجه وجهك ! .
وحسن الوجه وجهك بالفتح والضم مع التسكين . والرفيق : كالصديق والخليط في استواء الواحد والجمع فيه ويجوز أن يكون مفردا بين به الجنس في باب التمييز . وروي : أن ثوبان مولى رسول الله A كان شديد الحب لرسول الله A قليل الصبر عنه فأتاه يوما وقد تغير وجهه ونحل جسمه وعرف الحزن في وجهه فسأله رسول الله A عن حاله فقال : يا رسول الله ما بي من وجع غير أني إذا لم أرك اشتقت إليك واستوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك فذكرت الآخرة فخفت أن لا أراك هناك لأني عرفت أنك ترفع مع النبيين وإن أدخلت الجنة كنت في منزل دون منزلك وإن لم أدخل فذاك حين لا أراك أبدا فنزلت فقال رسول الله A : " والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى أكون أحب إليه من نفسه وأبويه وأهله وولده والناس أجمعين " . وحكى ذلك عن جماعة من الصحابة " ذلك " مبتدأ و " الفضل " صفته و " من الله " الخبر ويجوز أن يكون ذلك مبتدأ والفضل من الله خبره والمعنى : أن ما أعطي المطيعون من الأجر العظيم ومرافقة المنعم عليهم من الله لأنه تفضل به عليهم تبعا لثوابهم " وكفى بالله عليما " بجزاء من أطاعه أو أراد أن فضل المنعم عليهم ومزيتهم من الله لأنهم اكتسبوه بتمكينه وتوفيقه وكفى بالله عليما بعباده فهو يوفقهم على حسب أحوالهم .
" يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعا " " خذوا حذركم " الحذر والحذر بمعنى كالإثر والأثر يقال : أخذ حذره إذا تيقظ واحترز من المخوف كأنه جعل الحذر آلتته التي يقي بها نفسه ويعصم بها روحه . والمعنى : احذروا واحترزوا من العدو ولا تمكنوه من أنفسكم " فانفروا " إذا نفرتم إلى العدو . إما " ثبات " جماعات متفرقة سرية بعد سرية وإما " جميعا " أي مجتمعين كوكبة واحدة ولا تتخاذلوا فتلقوا بأنفسكم إلى التهلكة . وقرئ : فانفروا بضم الفاء .
" وإن منكم لمن ليبطئن فإن أصابتكم مصيبة قال قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا ولئن أصابكم فضل من الله ليقولن كأن لم تكن بينكم وبينه مودة يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما "