أن النبي A كان إذا قام من الليل يتسوك ثم ينظر إلى السماء ثم يقول : " إن في خلق السموات والأرض " وحكي : أن الرجل من بني إسرائيل كان إذا عبد الله ثلاثين سنة أظلته سحابة فعبدها فتى من فتيانهم فلم تظله فقالت له أمه : لعل فرطة فرطت منك في مدتك ؟ فقال : ما أذكر . قالت : لعلك نظرت مرة إلى السماء ولم تعتبر ؟ قال : لعل . قالت : فما أتيت إلا من ذاك " الذين يذكرون الله " ذكرا دائبا على أي حال كانوا من قيام وقعود واضطجاع لا يخلون بالذكر في أغلب أحوالهم . وعن ابن عمر وعروة ابن الزبير وجماعة : أنهم خرجوا يوم العيد إلى المصلى فجعلوا يذكرون الله فقال بعضهم : أما قال الله تعالى : " يذكرون الله قياما وقعودا " فقاموا يذكرون الله على أقدامهم . وعن النبي A : " من أحب أن يرتع في رياض الجنة فليكثر ذكر الله " وقيل : معناه يصلون في هذه الأحوال على حسب استطاعتهم . قال رسول الله A لعمران بن الحصين : " صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب تومئ إيماء " وهذه حجة للشافعي C في إضجاع المريض على جنبه كما في اللحد . وعند أبي حنيفة C أنه يستلقي حتى إذا وجد خفة قعد . ومحل " على جنوبهم " نصب على الحال عطفا على ما قبله كأنه قيل قياما وقعودا ومضطجعين " ويتفكرون في خلق السموات والأرض " وما يدل عليه اختراع هذه الأجرام العظام وإبداع صنعتها وما دبر فيها مما تكل الأفهام عن إدراك بعض عجائبه على عظم شأن الصانع وكبرياء سلطانه . وعن سفيان الثوري أنه صلى خلف المقام ركعتين ثم رفع رأسه إلى السماء فلما رأى الكواكب غشي عليه وكان يبول الدم من طول حزنه وفكرته . وعن النبي A : " بينما رجل مستلق على فراشه إذ رفع رأسه فنظر إلى النجوم وإلى السماء فقال : أشهد أن لك ربا وخالقا اللهم اغفر لي فنظر الله إليه فغفر له " وقال النبي A : " لا عبادة كالتفكر " وقيل : الفكرة تذهب الغفلة وتحدث للقلب الخشبية كما يحدث الماء للزرع النبات . وما جليت القلوب بمثل الأحزان ولا استنارت بمثل الفكرة . وروي عن النبي A : " لا تفضلوني على يونس بن متى فإنه كان يرفع له في كل يوم مثل عمل أهل الأرض " قالوا : وإنما كان ذلك التفكر في أمر الله الذي هو عمل القلب لأن أحدا لا يقدر أن يعمل بجوارحه في اليوم مثل عمل أهل الأرض " ما خلقت هذا باطلا " على إرادة القول . أي يقولون ذلك وهو في محل الحال بمعنى يتفكرون قائلين . والمعنى : ما خلقته خلقا باطلا بغير حكمة بل خلقته لداعي حكمة عظيمة وهو أن تجعلها مساكن للمكلفين وأدلة لهم على معرفتك ووجوب طاعتك واجتناب معصيتك ؛ ولذلك وصل به قوله : " فقنا عذاب النار " لأنه جزاء من عصى ولم يطع . فإن قلت : هذا إشارة إلى ماذا ؟ قلت : إلى الخلق على أن المراد به المخلوق كأنه قيل : ويتفكرون في مخلوق السموات والأرض أي فيما خلق منها . ويجوز أن يكون إشارة إلى السموات والأرض ؛ لأنها في معنى المخلوق . كأنه قيل : ما خلقت هذا المخلوق العجيب باطلا . وفي هذا ضرب من التعظيم كقوله : " إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم " الإسراء : 90 ، ويجوز أن يكون باطلا حالا من هذا . وسبحانك : اعتراض للتنزيه من العبث وأن يخلق شيئا بغير حكمة .
" ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيآتنا وتوفنا مع الأبرار ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد "