أمر رسول الله A بأن يخبر عن نفسه وعمن معه بالإيمان فلذلك وحد الضمير وحد الضمير في " قل " وجمع في " آمنا " ويجوز أن يؤمر بأن يتكلم عن نفسه كما يتكلم الملوك إجلالا من الله لقدر نبيه . فإن قلت : لم عدى أنزل في هذه الآية بحرف الاستعلاء وفيما تقدم من مثلها بحرف الانتهاء ؟ قلت : لوجود المعنيين جميعا لأن الوحي ينزل من فوق وينتهي إلى الرسل فجاء تارة بأحد المعنيين وأخرى بالآخر . ومن قال : إنما قيل " علينا " لقوله : " قل " ؛ و " إلينا " لقوله : " قولوا " البقرة : 136 ، تفرقة بين الرسول والمؤمنين لأن الرسول يأتيه الوحي على طريق الاستعلاء ويأتيهم على وجه الانتهاء فقد تعسف . ألا ترى إلى قوله : " بما أنزل إليك " المائدة : 68 ، " وأنزلنا إليك الكتاب " النساء : 105 ، وإلى قوله : " آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا " . " ونحن له مسلمون " موحدون مخلصون أنفسنا له لا نجعل له شريكا في عبادتها ؛ ثم قال : " ومن يبتغ غير الإسلام " يعني التوحيد وإسلام الوجه لله تعالى : " دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين " من الذين وقعوا في الخسران مطلقا من غير تقييد للشياع . وقرئ : ومن يبتغ غير الإسلام بالإدغام .
" كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم " " كيف يهدي الله قوما " كيف يلطف بهم وليسوا من أهل اللطف لما علم الله من تصميمهم على كفرهم ودل على تصميمهم بأنهم كفروا بعد إيمانهم وبعد ما شهدوا بأن الرسول حق وبعدما جاءتهم الشواهد من القرآن وسائر المعجزات التي تثبت بمثلها النبوة - وهم اليهود - كفروا بالنبي A بعد أن كانوا مؤمنين به ؛ وذلك حين عاينوا ما يوجب قوة إيمانهم من البينات . وقيل : نزلت في رهط كانوا أسلموا ثم رجعوا عن الإسلام ولحقوا بمكة منهم طعمة بن أبيرق ووحوح بن الأسلت والحرث بن سويد بن الصامت . فإن قلت : علام عطف قوله " وشهدوا " ؟ قلت : فيه وجهان : أن يعطف على ما في إيمانهم من معنى الفعل ؛ لأن معناه بعد أن آمنوا كقوله تعالى : " فأصدق وأكن " المنافقين : 10 ، وقول الشاعر : .
ليسوا مصلحين عشيرة ... ولا ناعب............ .
ويجوز أن تكون الواو للحال بإضمار قد بمعنى كفروا وقد شهدوا أن الرسول حق " والله لا يهدي " لا يلطف بالقوم الظالمين المعاندين الذين علم أن اللطف لا ينفعهم . " إلا الذين تابوا من بعد ذلك " الكفر العظيم والارتداد " وأصلحوا " ما أفسدوا أو دخلوا في الصلاح . وقيل : نزلت في الحرث بن سويد بعد أن ندم على ردته وأرسل إلى قومه أن سلوا : هل لي من توبة فأرسل إليه أخوه الجلاس بالآية . فأقبل إلى المدينة فتاب وقبل رسول الله A توبته .
" إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به أولئك لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين "