رهن رسول الله A درعه في غير سفر . قلت : ليس الغرض تجويز الارتهان في السفر خاصة ولكن السفر لما كان مظنة لإعواز الكتب والإشهاد أمر على سبيل الإرشاد إلى حفظ المال من كان على سفر بأن يقيم التوثق بالارتهان مقام التوثق بالكتب والإشهاد . وعن مجاهد والضحاك أنهما لم يجوزاه إلا في حال السفر أخذا بظاهر الآية وأما القبض فلابد من اعتباره . وعند مالك يصح الارتهان بالإيجاب والقبول بدون القبض " فإن أمن بعضكم بعضا " فإن أمن بعض الدائنين بعض المديونين لحسن ظنه به . وقرأ أبي فإن أو من أي آمنه الناس ووصفوا المديون بالأمانة والوفاء والاستغناء عن الارتهان من مثله " فليؤد الذي اؤتمن أمانته " حث المديون على أن يكون عند ظن الدائن به وأمنه منه وائتمانه له وأن يؤدي إليه الحق الذي ائتمنه عليه فلم يرتهن منه . وسمي الدين أمانة وهو مضمون لائتمانه عليه بترك الارتهان منه . والقراءة أن تنطق بهمزة ساكنة بعد الذال أو ياء فتقول : الذي اؤتمن أو الذي تمن . وعن عاصم أنه قرأ : الذي اتمن بإدغام الياء في التاء قياسا على اتسر في الافتعال من اليسر وليس بصحيح . لأن الياء منقلبة عن الهمزة فهي في حكم الهمزة واتزر عامي وكذلك ريا في رؤيا " آثم " خبر إن . و " قلبه " رفع بآثم على الفاعلية كأنه قيل : فإنه يأثم قلبه . ويجوز أن يرتفع قلبه بالابتداء . وآثم خبر مقدم والجملة خبر إن . فإن قلت : هلا اقتصر على قوله : " فإنه آثم " ؟ وما فائدة ذكر القلب - والجملة هي الآثمة لا القلب وحده - ؟ قلت : كتمان الشهادة : هو أن يضمرها ولا يتكلم بها فلما كان إثما مقترفا بالقلب أسند إليه لأن إسناد الفعل إلى الجارحة التي يعمل بها أبلغ . ألا تراك تقول إذا أردت التوكيد : هذا مما أبصرته عيني ومما سمعته أذني ومما عرفه قلبي ولأن القلب هو رئيس الأعضاء والمضغة التي إن صلحت صلح الجسد وإن فسدت فسد الجسد كله فكأنه قيل : فقد تمكن الإثم في أصل نفسه وملك أشرف مكان فيه . ولئلا يظن أن كتمان الشهادة من الآثام المتعلقة باللسان فقط وليعلم أن القلب أصل متعلقه ومعدن اقترافه واللسان ترجمان عنه . ولأن أفعال القلوب أعظم من أفعال سائر الجوارح وهي لها كالأصول التي تتشعب منها . ألا ترى أن أصل الحسنات والسيآت الإيمان والكفر وهما من أفعال القلوب فإذا جعل كتمان الشهادة من آثام القلوب فقد شهد له بأنه من معاظم الذنوب . وعن ابن عباس Bهما : أكبر الكبائر الإشراك بالله لقوله تعالى : " فقد حرم الله عليه الجنة " المائدة : 72 ، وشهادة الزور وكتمان الشهادة . وقرئ : قلبه بالنصب كقوله : " سفه نفسه " البقرة : 130 ، وقرأ ابن أبي عبلة : أثم قلبه أي جعله إثما .
" لله ما في السموات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير " " وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه " يعني من السوء يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء لمن استوجب المغفرة بالتوبة مما أظهر منه أو أضمره " ويعذب من يشاء " ممن استوجب العقوبة بالإصرار . ولا يدخل فيما يخفيه الإنسان : الوساوس وحديث النفس لأن ذلك مما ليس في وسعه الخلو منه ولكن ما اعتقده وعزم عليه . وعن عبد الله بن عمر Bهما أنه تلاها فقال : لئن آخذنا الله بهذا لنهلكن ثم بكى حتى سمع نشيجه فذكر لابن عباس فقال : يغفر الله لأبي عبد الرحمن . قد وجد المسلمون منها مثل ما وجد فنزل " لا يكلف الله " وقرئ : فيغفر و يعذب مجزومين عطفا على جواب الشرط ومرفوعين على فهو يغفر ويعذب . فإن قلت : كيف يقرأ الجازم ؟ قلت : يظهر الراء ويدغم الباء . ومدغم الراء في اللام لاحن مخطئ خطأ فاحشا . وراويه عن أبي عمرو مخطئ مرتين لأنه يلحن وينسب إلى أعلم الناس بالعربية ما يؤذن بجهل عظيم . والسبب في نحو هذه الروايات قلة ضبط الرواة والسبب في قلة الضبط قلة الدراية ولا يضبط نحو هذا إلا أهل النحو . وقرأ الأعمش : يغفر بغير فاء مجزوما على البدل من يحاسبكم كقوله : .
متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا ... تجد حطبا جزلا ونارا تأججا