والمعنى : أن الجنة ضياء فلا يحتاج فيها إلى شمس وقمر . فإن قلت : ودانية عليهم ظلالها " علام عطفت ؟ قلت : على الجملة التي قبلها ؛ لأنها في موضع الحال من المجزيين ؛ وهذه حال مثلها عنهم لرجوع الضمير منها إليهم في عليهم إلا أنها اسم مقرد وتلك جملة في حكم مفرد تقديره : غير رائين فيها شمسا ولا زمهريرا ودانية عليهم ظلالها ؛ ودخلت الواو للدلالة على أن الأمرين مجتمعان لهم كأنه قيل : وجزاهم جنة جامعين فيها بين البعد عن الحر والقر ودنو الظلال عليهم وقرئ ودانية بالرفع على أن ظلالها مبتدأ ودانية خبر والجملة في موضع الحال ؛ والمعنى : لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا والحال أن ظلالها دانية عليهم ؛ ويجوز أن تجعل " متكئين " و " لايرون " و " ودانية " كلها صفات لجنة . ويجوز أن يكون " ودانية " معطوفة على جنة أي : وجنة أخرى دانية عليهم ظلالها على أنها وعدوا جنتين كقوله " ولمن خاف مقام ربه جنتان " الرحمن : 46 ، لأنهم وصفوا بالخوف : " إنا نخاف من ربنا " الإنسان : 10 ، فإن قلت : فعلام عطف " وذللت " ؟ قلت : هي - إذا رفعت " ودانية " - جملة فعلية معطوفة على جملة ابتدائية وإذا نصبتها على الحال فهي حال من دانية أي : تدنو ظلا لها هليم في حال تذليل قطوفها لهم . أو معطوفة عليها على : ودانية عليهم ظلالها ومذللة قطوفها ؛ وإذا نصبت " ودانية " على الوصف فهي صفة مثلها ؛ ألا ترى أنك لو قلت : جنة ذللت قطوفها : كان صحيحا ؛ وتذليل القطوف : أن تجعل ذللا لا تمنع على قطافها كيف شاؤا . أو تجعل ذليلة لهم خاضعة متقاصرة من قولهم : حائط ذليل إذا كان قصيرا " قوارير قوارير " قرئا غير منونين وبتنوين الأول وبتنوينهما . وهذا التنوين بدل من ألف الإطلاق لأنه فاصله ؛ وفي الثاني لإتباعه الأول ومعنى قوارير من " فضة " أنها مخلوقة من فضة وهي مع بياض الفضة وحسنها في صفاء القوارير وشفيفها . فإن قلت : ما معنى " كانت " ؟ قلت هو من - يكون - في قوله : " كن فيكون " البقرة117 أي : تكونت قوارير بتكون الله تفخيما لتلك الخلقة العجيبة الشأن الجامعة بين صفتين الجوهرين المتباينين . ومنه كان في قوله : " كان مزاجها كافورا " وقرئ قوارير من فضة بالفرع على : هي قوارير " قدروها " صفة لقوارير من فضة . ومعنى تقديرهم لها : أنهمقدروها في أنفسهم أن تكون على مقادير وأشكال على حسب شهواتهم فجاءت كما قدروا . وقيل : الضمير للطائفين بها دل عليهم قوله : " ويطاف عليهم " الإنسان : 15 ، على أنهم قدروا شرابها على قدر الري وهو ألذ للشارب لكونه على مقدار حاجته لا يفضل عنها ولا يعجز . وعن مجاهد : لا تفيض ولا تغيض . وقرئ : قدروها على البناء للمفعول . ووجهه أن يكون من قدر منقولا من قدر . تقول : قدرت الشيء ودرنيه فلان : إذا جعلك قادرا له . ومعناه : جعلوا قادرين له كما شاؤا . وأطلق لهم أن يقدروا على حسب ما اشتهوا سميت العين زنجبيلا لطعم الزنجبيل فيها والعرب تستلذه وتستطيبه .
قال الأعشى : .
كأن القرنفل والزنجبيل ... باتا بفيها وأريا مشورا .
وقال المسيب بن علس .
وكأن طعم الزنجيل به ... إذ ذقته وسلافة الخمر .
و " سلسبيلا " لسلاسة انحدارها في الحلق وسهولة مساغها يعني : أنها في طعم الزنجبيل وليس فيها لذعه ولكن نقيض اللذع وهو السلاسة . يقال : شراب سلسل وسلسل وسلسبيل وقد زيدت الباء في التركيب حتى صارت الكلمة خماسية . ودلت على غاية السلاسة . قال الزجاج : السلسبيل في اللغة : صفة لما كان في غاية السلاسة . وقرئ سلسبيل على منع الصرف لاجتماع العلمية والتأنيث : وقد عزوا إلى علي بن أبي طالب Bه أم معناه سل سبيلا إليها وهذا غي مستقيم على ظاهره . إلا أن يراد أن جملة قول القائل : سل سبيلا جعلت علما للعين كما قيل : تأبط شرا ؛ وذرى حبا ؛ وسميت بذلك لأنه لا يشرب منها إلا من سأل إليها سبيلا بالعمل الصالح وهو مع استقامة في العربية تكلف وابتداع ؛ وعزوه إلى مثل علي Bه أبدع وفي شعر بعض المحدثين : .
سل سبيلا فيها إلى راحة النف ... س براح كأنها سلسبيل