أن رجلا سأل النبي A : ما يحل لي من امرأتي وهي حائض ؟ قال : " لتشد عليها إزارها ثم شأنك بأعلاها " ثم قال : وهذا قول أبي حنيفة . وقد جاء ما هو أرخص من هذا عن عائشة Bها قالت : يجتنب شعار الدم وله ما سوى ذلك وقرئ يطهرن بالتشديد أي يتطهرن بدليل قوله : " فإذا تطهرن " وقرأ عبد الله : حتى يتطهرن . ويطهرن بالتخفيف . والتطهر : الاغتسال . والطهر : انقطاع دم الحيض . وكلتا القراءتين مما يجب العمل به فذهب أبو حنيفة إلى أن له أن يقربها في أكثر الحيض بعد انقطاع الدم وإن لم تغتسل وفي أقل الحيض لا يقربها حتى تغتسل أو يمضي عليها وقت صلاة . وذهب الشافعي إلى أنه لا يقربها حتى تطهر وتطهر فتجمع بين الأمرين وهو قول واضح . ويعضده قوله : " فإذا تطهرن " . " من حيث أمركم الله " من المأتي الذي أمركم الله به وحلله لكم وهو القبل " إن الله يحب التوابين " مما عسى يندر منهم من ارتكاب ما نهوا عنه من ذلك " ويحب المتطهرين " المتنزهين عن الفواحش . أو إن الله يحب التوابين الذين يطهرون أنفسهم بطهرة التوبة من كل ذنب ويحب المتطهرين من جميع الأقذار : كمجامعة الحائض والطاهر قبل الغسل وإتيان ما ليس بمباح وغير ذلك " حرث لكم " مواضع الحرث لكم . وهذا مجاز شبههن بالمحارث تشبيها لما يلقى في أرحامهن من النطف التي منها النسل بالبذور . وقوله : " فأتوا حرثكم أنى شئتم " تمثيل أي فأتوهن كما تأتون أرضكم التي تريدون أن تحرثوها من أي جهة شئتم . لا تحظر عليكم جهة دون جهة والمعنى : جامعوهن من أي شق أردتم بعد أن يكون المأتي واحدا وهو موضع الحرث . وقوله : " هو أذى فاعتزلوا النساء " " من حيث أمركم الله " " فأتوا حرثكم أنى شئتم " من الكنايات اللطيفة والتعريضات المستحسنة . وهذه وأشباهها في كلام الله آداب حسنة على المؤمنين أن يتعلموها ويتأدبوا بها ويتكلفوا مثلها في محاورتهم ومكاتبتهم . وروي : أن اليهود كانوا يقولون : من جامع امرأته وهي مجيبة من دبرها في قبلها كان ولدها أحول فذكر ذلك لرسول الله A : فقال كذبت اليهود ونزلت . " وقدموا لأنفسكم " ما يجب تقديمه من الأعمال الصالحة وما هو خلاف ما نهيتكم عنه . وقيل : هو طلب الولد وقيل : التسمية على الوطء " واتقوا الله " فلا تجترئوا على المناهي " واعلموا أنكم ملاقوه " فتزودوا ما لا تفتضحون به " وبشر المؤمنين " المستوجبين للمدح والتعظيم بترك القبائح وفعل الحسنات فإن قلت : ما موقع قوله : " نساءكم حرث لكم " مما قبله ؟ قلت : موقعه موقع البيان والتوضيح لقوله : " فأتوهن من حيث أمركم الله " يعني أن المأتي الذي أمركم الله به هو مكان الحرث ترجمة له وتفسيرا أو إزالة للشبهة ودلالة على أن الغرض الأصيل في الإتيان هو طلب النسل لا قضاء الشهوة فلا تأتوهن إلا من المأتي الذي يتعلق به هذا الغرض . فإن قلت : ما بال " يسألونك " جاء بغير واو ثلاث مرات ثم مع الواو ثلاثا ؟ قلت : كان سؤالهم عن تلك الحوادث الأول وقع في أحوال متفرقة فلم يؤت بحرف العطف لأن كل واحد من السؤالات سؤال مبتدأ . وسألوا عن الحوادث الأخر في وقت واحد فجيء بحرف الجمع لذلك كأنه قيل : يجمعون لك بين السؤال عن الخمر والميسر والسؤال عن الإنفاق والسؤال عن كذا وكذا .
" ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس والله سميع عليم لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم والله غفور حليم " العرضة : فعلة بمعنى مفعول كالقبضة والغرفة وهي اسم ما تعرضه دون الشيء من عرض العود على الإاء فيعترض دونه ويصير حاجزا ومانعا منه . تقول : فلان عرضة دون الخير . والعرضة أيضا : المعرض للأمر . قال : .
فلا تجعلوني عرضة للوائم .
ومعنى الآية على الأولى : أن الرجل كان يحلف على بعض الخيرات من صلة رحم أو إصلاح ذات بين أو إحسان إلى أحد أو عبادة ثم يقول : أخاف الله أن أحنث في يميني فيترك البر إرادة البر في يمينه فقيل لهم : " ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم " أي حاجزا ما حلفتم عليه . وسمي المحلوف عليه يمينا لتلبسه باليمين كما قال النبي A لعبد الرحمن بن سمرة :