" ليلا ونهارا " دائبا من غير فتور مستغرقا به الأوقات كلها " فلم يزدهم دعاءى " جعل الدعاء فاعل زيادة الفرار . والمعنى على أنهم ازدادوا عنده فرارا ؛ لأنه سبب الزيادة . ونحوه " فزادتهم رجسا إلى رجسهم " التوبة : 125 " فزادتهم إيمانا " التوبة : 124 " لتغفر لهم " ليتوبوا عن كفرهم فتغفر لهم فذكر المسبب الذي هو حظهم خالصا ليكون أقبح لإعراضهم عنه . سدوا مسامعهم عن استماع الدعوة " واستغشوا ثيابهم " وتغطوا بها كأنهم طلبوا أن تغشاهم ثيابهم أو تغشيهم لئلا يبصروه كراهة النظر إلى وجه من ينصحهم في دين الله . وقيل لئلا يعرفهم ؛ ويعضده قوله تعالى : " ألا إنهم يثنون صدورهم لستخفوا من ألا حين يستغشون ثيابهم : هو : 5 ، الإصرار : من أصر الحمار على العانة إذا سر أذنية وأقبل عليها يكدمها ويطردها : استعير للإقبال على المعاصي والإكباب عليها " واستكبروا " وأخذتهم العزة من اتباع نوح وطاعته وذكر المصدر تأكيد ودلالة على فرط استكبارهم وعتوهم . فإن قلت : ذكر أنه دعاهم ليلا ونهارا ثم دعاهم جهارا ثم دعاهم في السر والعلن ؛ فيجب أن تكون ثلاث دعوات مختلفات حتى يصح العطف . قلت : قد فعل E كما يفعل الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر : في الابتداء بالأهون والترقي في الأشد فالأشد فافتتح بالمناصحة في السر فلما لم يقبلوا اثنى بالمجاهرة فلما لم تؤثر ثلث بالجمع بين الإسرار والإعلان . ومعنى " ثم " الدلالة على تباعد الأحوال لأن الجهار أغلظ من الإسرار ؛ والجمع بين الأمرين أغلظ من إفراد أحدهما . " جهارا " منصوب بدعوتهم نصب المصدر لأن الدعاء أحد نوعيه الجهار فنصب به نصب القرفصاء بقعد لكونها أحد أنواع القعود . أو لأنه أراد بدعوتهم جاهرتهم . ويجوز أن يكون صفة لمصدر دعا بمعنى دعاء جهارا أي : مجاهرا به . أو مصدرا في موضع الحال أي : مجاهرا . أمرهم بالاستغفار الذي هو التوبة عن الكفر والمعاصي وقدم إليهم الموعد بما هو أوقع في نفوسهم وأحب إليهم من المنافع الحاضرة والفوائد العاجلة ترغيبا في الإيمان وبركاته والطاعة ونتائجها من خير الدارين كما قال : " وأخرى تحبونها نصر من الله " الصف : 13 ، " ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات " الأعراف : 96 ، " ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم المائدة : 66 ، " وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم " الجن : 16 ، وقيل : لما كذبوه بعد طول تكرير الدعوة : حبس الله عنهم القطر وأعقم أرحام نسائهم أربعين سنة . وروي : سبعين فوعدهم أنهم إن آمنوا رزقهم الله تعالى الخصب ودفع عنهم ما كانوا فيه . وعن عمر Bه : أنه خرج يسقي فما زاد على الاستغفار فقيل له : ما رأيناك استسقيت ! .
فقال : لقد استسقيت بمجاديح السماء التي يستنزل بها القطر شبه الاستغفار بالأنواء الصادقة التي لا تخطئ وعن الحسن : أن رجلا شكا إليه الجدب فقال : استغفر الله ؛ وشكا إليه آخر الفقر وآخر قلة النسل وآخر قلة ربع أرضه فأمرهم كلهم بالاستغفار فقال له الربيع بن صبيح : أتاك رجال يشكون أبوابا ويسألون أنواعا فأمرتهم كلهم بالاستغفار ! .
فتلا له هذه الآية . والسماء : المظلة ؛ لأن المطر منها ينزل إلى السحاب ؛ ويجوز أن يراد السحاب أو المطر من قوله : .
إذا نزل السماء بأرض قوم