كان صناديد قريش يرون وفور حطهم من الدنيا وقلة حظوظ المسلمين منها فإذا سمعوا بحديث الآخرة وما وعد الله المسلمين قالوا : إن صح أنا نبعث كما يزعم محمد ومن معه لم تكن حالهم وحالنا إلا مثل ما هي في الدنيا وإلا لم يزيدوا علينا ولم يفضلونا وأقصى أمرهم أن يساوونا فقيل : أنحيف في الحكم فنجعل المسلمين كالكافرين . ثم قيل لهم على طريقة الالتفات " ما لكم كيف تحكمون " هذا الحكم الأعوج ؟ كأن أمر الجزاء مفوض إليكم حتى تحكموا فيه بما شئتم " أم أنكم كتاب " من السماء " تدرسون " في ذلك الكتاب أن ما تختارونه وتشتهونه لكم كقوله تعالى : " أم لكم سلطان مبين فأتوا بكتابكم " الصافات : 156 - 157 والأصل تدرسون أن لكم ما تخيرون بفتح أن ؛ لأنه مدروس ؛ فلما جاءت اللام كسرت . ويجوز أن تكون حكاية للمدروس كما هو كقوله : " وتركنا عليه في الأخرين سلم على نوح في العالمين " الصافات : 78 - 79 . وتخير الشيء واختاره : أخذ خيره ونحوه : تنخله وانتخله : إذا أخذ منخوله ز لفلان علي يمين بكذا : إذا ضمنته منه وحلفت له على الوفاء به يعني : ام ضمنا منكم وأقسمنا لكم بأيمان مغلظة متناهية في التوكيد فإن قلت : بم يتعلق " إلى يوم القيامة " ؟ قلت : بالمقر في الظروف أي : هي ثابتة لكم علينا إلى يوم القيامة لا تخرج عن عهدتها إلا يومئذ إذا حكمناكم وأعطيناكم ما تحكمونز ويجوز أن يتعلق ببالغة على أنها تبلغ ذلكم اليوم وتنتهي إليه وافرة لم تبطل منها يمين إلى أن يحصل المقسم عليه من التحكيم . وقرأالحسن بالغة بالنصب على الحال من الضمير في الظروف " إن لكم لما تحكمون " جواب القسم ؛ لأن معنى " أم لكم أيمن علينا " أم أقسمنا لكم .
" أيهم بذلك زعيم أم لهم شركاء فلياتوا بشركائهم إن كانوا صادقين " " أييهم بذلك " الحكم " زعيم " أي قائم به وبالاحتجاج لصحته كما يقوم الزعيم المتكلم عن القوم المتكفل بأمورهم " أم لهم شركاء " أي ناس يشاركونهم في هذا القول ويوافقونهم عليه ويذهبون مذهبهم فيه " فليأتوا " بهم " عن كانوا صادقين " في دعواهم يعني : أن احدا لا يسلم لهم هذا ولا يساعدهم عليه كما انه لا كتاب لهم ينطق به ولا عهد لهم به عند الله ولا زعيم لهم يقوم به .
" يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون خشعة أبصرهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون " الكشف عن الساق والإبداء عن الخدام : مثل في شدة الأمر وصعوبة الخطب وأصله في الروع والهزيمة وتشمير المخدرات عن سوقهن في الهرب وابداء خدامهن عند ذلك . قال حاتم : .
أخو الحرب إن عضت به الحرب عضها ... وإن شمرت عن ساقها الحرب شمرا .
وقال ابن الرقيات : .
تذهل الشيخ عن بنيه وتبدي ... عن خدام العقيلة العذراء .
فمعنى " يؤم يكشف عن ساق " في معنى : يوم يشتد الأمر ويتفاقم ولا كشف ثم ولا ساق كما تقول للأقطع الشحيح : يده مغلولة ولا يد ثم ولا غل ؛ وإنما هو مثل في البخل . وأما من شبه فلضيق عطنه وقلة نظره في علم البيان والذي غره منه حديث ابن مسعود Bه :