" وللذين كفروا بربهم " أي : ولكل من كفر بالله من الشياطين وغيرهم " عذاب جهنم " ليس الشياطين المرجومين مخصوصين بذلك . وقرىء : عذاب جهنم بالنصب عطفا على عذاب السعير " إذا ألقوا فيها " أي طرحوا كما يطرح الحطب في النار العظيمة يرمى به . ومثله قوله تعالى : حصب جهنم : الأنبياء : 98 . " سمعوا لها شهيقا " إما لأهلها ممن طرحهم فيها . أو من أنفسهم كقوله : " لهم فيها زفير وشهيق " هود : 106 وإما للنار تشبيها لحسيسها المنكر الفظيع بالشهيق " وهي تفور " تغلي بهم غليان المرجل بما فيه . وجعلت كالمغتاظة عليهم لشدة غليانها بهم ويقولون : فلان يتميز غيظا ويتقصف غضبا وغضب فطارت منه شقة في الأرض وشقة في السماء : إذا وصفوه بالإفراط فيه . ويجوز أن يراد : غيظ الزبانية " ألم يأتكم نذير " توبيخ يزدادون به عذابا إلى عذابهم وحسرة إلى حسرتهم . وخزنتها : مالك وأعوانه من الزبانية " قالوا بلى " أعتراف منهم بعدل الله وإقرار بأن الله عز وعلا أزاح عللهم ببعثه الرسل وإنذارهم ما وقعوا فيه وأنهم لم يؤتوا من قدره كما تزعم المجبرة ؛ وإنما أتوا من قبل أنفسهم واختيارهم خلاف ما اختار الله وأمر به وأوعد على ضده . فإن قلت : " إن أنتم إلا في ضلال كبير " من المخاطبون به ؟ قلت : هو من جملة قول الكفار وخطابهم للمنذرين على أن النذير بمعنى الإنذار . والمعنى : ألم يأتكم أهل نذير . أو وصف منذورهم لغلوهم في الإنذار كأنهم ليسوا إلا إنذارا ؛ وكذلك " قد جاءنا نذير " ونظيره قوله تعالى : " إنا رسول رب العالمين " الشعراء : 16 أي حاملا رسالته . ويجوز أن يكون من كلام الخزنة للكفار على إرادة القول : أرادوا حكاية ما كانوا عليه من ضلالهم في الدنيا . أو أرادوا بالضلال ؛ الهلاك . أو سموا عقاب الضلال باسمه . أو من كلام الرسل لهم حكوه الخزنة أي قالوا لنا هذا فلم نقبله " لو كنا نسمع " الإنذار سماع طالبين للحق . أي نعقله عقل متأملين . وقيل : إنما جمع بين السمع والعقل ؛ لأن مدار التكليف على أدلة السمع والعقل . ومن بدع التفاسير : أن المراد لو كنا على مذهب أصحاب الحديث أو على مذهب أصحاب الرأي كأن هذه الآية نزلت بعد ظهور هذين المذهبين وكأن سائر أصحاب المذاهب والمجتهدين قد أنزل الله وعبدهم وكأن من كان من هؤلاء فهو من الناجين لا محالة ؛ وعدة المبشرين من الصحابة : عشرة لم يضم إليهم حادي عشر وكأن من يجوز على الصراط أكثرهم لم يسمعوا باسم هذين الفريقين " بذنبهم " بكفرهم في تكذيبهم الرسل " فسحقا " قرىء بالتخفيف والتثقيل أي : فبعدا لهم اعترفوا أو جحدوا ؛ فإن ذلك لا ينفعهم .
" وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير " ظاهره الأمر بأحد الأمرين : الإسرار والإجهار . ومعناه : ليستو عندكم إسراركم وإجهاركم في علم الله بهما ثم أنه علله ب " إنه عليم بذات الصدور " أي بضمائرها قبل أن تترجم الألسنة عنها فكيف لا يعلم ما تكلم به . ثم أنكر أن لا يحيط علما بالمضمر والمسر والمجهر " من خلق " الأشياء وحاله أنه اللطيف الخبير المتوصل علمه إلى ما ظهر من خلقه وما بطن . ويجوز أن يكون " من خلق " منصوبا بمعنى : ألا يعلم مخلوقه وهذه حاله . وروي أن المشركين كانوايتكلمون فيما بينهم بأشياء فيظهر الله رسوله عليها فيقولون : أسروا قولكم لئلا يسمعه إله محمد فنبه الله على جهلهم . فإن قلت : قدرت في " ألا يعلم " مفعولا على معنى : ألا يعلم ذلك المذكور مما أضمر في القلب وأظهر باللسان من خلق فهلا جعلته مثل قولهم : وهو يعطي ويمنع ؛ وهلا كان المعنى : ألا يكون عالما من هو خالق ؛ لأن الخلق لا يصح إلا مع العلم ؟ قلت : أبت ذلك الحال التي هي قوله : " وهو اللطف الخبير " لأنك لو قلت : ألا يكون عالما من هو خالق وهو اللطيف الخير : لم يكن معنى صحيحا ؛ لأن ألا يعلم معتمد على الحال .
والشيء لا يوقت بنفسه فلا يقال : ألا يعلم وهو عالم ولكن ألا يعلم كذا وهو عالم بكل شيء .
" هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رقه وإليه النشور "