" يا أيها الذين أمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم قد يئسوا من الأخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور . " روي أن بعض فقراء المسلمين كانوا يواصلون اليهود ليصيبوا من ثمارهم . فقيل لهم " لا تتولوا قوما " مغضوبا عليهم " قد يئسوا " من أن يكون لهم حظ في الآخرة لعنادهم رسول الله عليه وسلم وهم يعلمون أنه الرسول المنعوت في التوراة " كما يئس الكفار من موتاهم أن يبعثوا ويرجعوا أحياء . وقيل : " من أصحاب القبور " بيان للكفار أي : كما يئس الكفار الذين قبروا من خير الآخرة ؛ لأنهم تبينوا قبح حالهم وسوء منقلبهم .
عن رسول الله A : 1168 " من قرأ سورة الممتحنة كان له المؤمنون والمؤمنات شفعاء يوم القيامة " .
سورة الصف .
مدنية وآياتها 14 .
بسم اله الرحمن الرحيم .
" سبح لله ما في السموات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم . يا أيها الذين أمنوا لم تقولون مالا تفعلون . كبر مقتا عند الله أن تقولوا مالا تفعلون . إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص . " " لم " هي لام الإضافة داخلة على ما الاستفهامية كما دخل عليها غيرها من حروف الجر في قولك : بم وفيم ومم وعم وإلام وعلام . وإنما حذفت الألف ؛ لأن ما والحرف كشيء واحد وقع استعمالهما كثيرا في كلام المستفهم ؛ وقد جاء استعمال الأصل قليلا والوقف على زيادة هاء السكت او الإسكان . ومن أسكن في الوصل فلإجرائه مجرى الوقف كما سمع : ثلاثة أربعة بالهاء وإلقاء حركة الهمزة عليها محذوفة وهذا الكلام يتناول الكذب وإخلاف الموعد . وروي أن المؤمنين قالوا قبل أن يؤمروا بالقتال : لو نعلم أحب الأعمال إلى الله تعالى لعملناه ولبذلنا فيه أموالنا وأنفسنا فدلهم الله تعالى على الجهاد في سبيله فولوا يوم أحد فعيرهم . وقيل : لما أخبر الله بثواب شهداء بدر قالوا لئن لقينا قتالا لنفرغن فيه وسعنا ففروا يوم أحد ولم يفوا . وقيل : كان الرجل يقول : قتلت ولم يقتل وطعنت ولم يطعن وضربت ولم يضرب وصبرت ولم يصبر . وقيل : 1169 كان قد أذى المسلمين رجل ونكى فيهم فقتله صهيب وانتحل قتله آخر فقال عمر لصهيب : أخبر النبي عليه السلام أنك قتلته فقال : إنما قتلته لله ولرسوله فقال عمر : يا رسول الله قتله صهيب قال : كذلك يا أبا يحيى ؟ قال : نعم فنزلت في المنتحل . وعن الحسن : نزلت في المنافقين . ونداؤهم بالإيمان : تهكم بهم وبإيمانهم ؛ هذا من أفصح كلام وأبلغه في معناه قصد في " كبر " التعجب من غير لفظه كقوله : غلت ناب كليب بواءها ومعنى التعجب : تعظيم الأمر في قلوب السامعين ؛ لأن التعجب لا يكون إلا من شيء خارج عن نظائره وأشكاله وأسند إلى أن تقولوا . ونصب " مقتا " على تفسيره دلالة على أن قولهم مالا يفعلون مقت خالص لاشوب فيه لفرط تمكن المقت منه ؛ واختير لفظ البغض وأبلغه . ومنه قيل : نكاح المقت للعقد على الرابة ولم يقتصر على جعل البغض كبيرا حتى جعل أشده وأفحشه . و " عند الله " أبلغ من ذلك لأنه إذا ثبت كبر مقته عند الله فقد تم كبره وشدته وانزاحت عنه الشكوك . وعن بعض السلف أنه قيل له : حدثنا فسكت ثم قيل له حدثنا ؛ فقال : تأمرونني أن أقول ما لا أفعل فأستعجل مقت الله . في قوله : " إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله " عقيب ذكر مقت المخلف : دليل على أن المقت قد تعلق بقول الذين وعدوا الثبات في قتال الكفار فلم يفوا . وقرأ زيد بن علي " يقاتلون " بفتح التاء . وقرئ : " يقتلون " " صفا " صافين أنفسهم أو مصفوفين " كأنهم " في تراصهم من غير فرجة وخلل " بنيان " رص بعضه إلى بعض ورصف . وقيل : يجوز أن يريد استواء نياتهم في الثبات حتى يكونوا في اجتماع الكلمة كالبنيان المرصوص . وعن بعضهم : فيه دليل على فضل القتال راجلا ؛ لأن الفرسان لا يصطفون على هذه الصفة . وقوله : " صفا كأنهم بنيان " حالان متداخلان .
" وإذ قال موسى لقومه يا قوم لم تؤذونني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين . "