" وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السماوات والأرض لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير . من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له وله أجر كريم . " " وما لكم ألا تنفقوا " في أن لا تنفقوا " ولله ميراث السماوات والأرض " يرث كل شيء فيهما لا يبقى منه باق لأحد من مال وغيره يعني : وأي غرض لكم في ترك الإنفاق في سبيل الله والجهاد مع رسول الله مهلككم فوارث أموالكم وهو من أبلغ البعث على الإنفاق في سبيل الله . ثم بين التفاوت بين المنفقين منهم فقال : " لا يستوي منكم من أنفق " قبل فتح مكة قبل عز الإسلام وقوة أهله ودخول الناس في دين الله أفواجا وقلة الحاجة إلى القتال والنفقة فيه ومن أنفق من بعد الفتح فحذف لوضوح الدلالة " أولئك " الذي أنفقوا قبل الفتح وهم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار الذين قال فيهم النبي A : 1131 " لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه " أعظم درجة وقرئ : " قبل الفتح " " وكلا " وكل واحد من الفريقين " وعد الله الحسنى " أي المثوبة الحسنى وهي الجنة مع تفاوت الدرجات . وقرئ : بالرفع على " وكل وعده الله " وقيل : نزلت في أبي بكر Bه لأنه أول من أسلم وأول من أنفق في سبيل الله . القرض الحسن : الإنفاق في سبيله . شبه ذلك بالقرض على سبيل المجاز لأنه إذا أعطى ماله لوجهه فكأنه أقرضه إياه " فيضاعفه له " أي يعطيه أجره على إنفاقه مضاعفا " أضعافا " من فضله " وله أجر كريم " يعني : وذلك الأجر المضموم إليه الأضعاف كريم في نفسه : وقرئ : " فيضعفه " وقرئا منصوبين على جواب الاستفهام والرفع عطف على " يقرض " أو على : فهو يضاعفه .
" يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم . " " يوم ترى " ظرف لقوله : " وله أجر كريم " أو منصوب بإضمار " اذكر " تعظيما لذلك اليوم . وإنما قال : " بين أيديهم وبأيمانهم " لأن السعداء يؤتون صحائف أعمالهم من هاتين الجهتين ؛ كما أن الأشقياء يؤتونها من شمائلهم ومن وراء ظهورهم فجعل النور في الجهتين شعارا لهم وآية ؛ لأنهم هم الذين بحسناتهم سعدوا وبصحائفهم البيض أفلحوا فإذا ذهب بهم إلى الجنة ومروا على الصراط يسعون : سعى بسعيهم ذلك النور جنيبا لهم ومتقدما . ويقول لهم الذين يتلقونهم من الملائكة : " بشراكم اليوم " . وقرئ : " ذلك الفوز " .
" يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين أمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب . ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله وغركم بالله الغرور . فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير . "