البدع بمعنى : البديع كالخف بمعنى الخفيف . وقرئ بدعا بفتح الدال أي : ذا بدع ويجوز أن يكون صفة على فعل كقولهم : دين قيم ولحم زيم : كانوا يقترحون عليه الآيات ويسألونه عما لم يوح به إليه من الغيوب . فقيل له : " قل ما كنت بدعا من الرسل " فآتيكم بكل ما تقترحونه وأخبركم بكل ما تسألون عنه من المغيبات فإن الرسل لم يكونوا يأتون إلا بما آتاهم الله من آياته ولا يخبرون إلا بما أوحى إليهم . ولقد أجاب موسى صلوات الله وسلام عليه عن قول فرعون : " فما بال القرون الأولى " . بقوله : " علمها عند ربي " طه : 52 ، " وما أدري " لأنه لا علم لي بالغيب ما يفعل الله بي وبكم فيما يستقبل من الزمان من أفعاله ويقدر لي ولكم من قضاياه " إن أتبع إلا ما يوحى إلي " وعن الحسن : وما أدري ما يصير إليه أمري وأمركم في الدنيا ومن الغالب منا والمغلوب . وعن الكلبي : قال له أصحابه وقد ضجروا من أذى المشركين : حتى متى نكون على هذا ؟ فقال : ما أدري ما يفعل بي ولا بكم أأترك بمكة أم أومر بالخروج إلى أرض قد رفعت لي ورأيتها يعني في منامه ذات نخيل وشجر وعن ابن عباس : ما يفعل بي ولا بكم في الآخرة وقال : هي منسوخة بقوله : " ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر " الفتح : 2 ، ويجوز أن يكون نفيا للدراية المفصلة . وقرئ ما يفعل بفتح الياء أي : يفعل الله D . فإن قلت : إن يفعل مثبت غير منفي فكان وجه الكلام : ما يفعل بي وبكم . قلت : أجل ولكن النفي في " ما أدري " لما كان مشتملا عليه لتناوله ما وما في حيزه صح ذلك وحسن . ألا ترى إلى قوله : " أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر " الأحقاف : 33 ، كيف دخلت الباء في حيز أن وذلك لتناول النفي إياها مع ما في حيزها . وما في ما يفعل يجوز أن تكون موصولة منصوبة وأن تكون استفهامية مرفوعة . وقرئ : يوحي أي الله D .
" قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم إن الله لا يهدي القوم الظالمين " .
جواب الشرط محذوف تقديره : إن كان القرآن من عند الله وكفرتم به ألستم ظالمين . ويدل على هذا المحذوف قوله تعالى : " إن الله لا يهدي القوم الظالمين " والشاهد من بني إسرائيل . عبد الله بن سلام لما قدم رسول الله A المدينة نظر إلى وجهه فعلم أنه ليس بوجه كذاب . وتأمله فتحقق أنه هو النبي المنتظر وقال له : إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي : ما أول أشراط الساعة . وما أول طعام يأكله أهل الجنة ؟ وما بال الولد ينزع إلى أبيه أو إلى أمه . فقال E : " أما أولأشراط الساعة فنار تحشرهم من المشرق إلى المغرب . وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد حوت وأما الولد فإما سبق ماء الرجل نزعه وإن سبق ماء المرأة نزعته " . فقال : أشهد أنك رسول الله حقا ثم قال : يا رسول الله إن اليهود قوم بهت وإن علموا يا سلامي قيل أن تسألهم عني بهتوني عندك . فجاءت اليهود فقال لهم النبي A : أي رجل عبد الله فيكم . فقالوا : خيرنا وابن خيرنا وسيدنا وابن سيدنا وأعلمنا وابن أعلمنا . قال : أرأيتم إن أسلم عبد الله . قالوا : أعاذه الله من ذلك فخرج إليهم عبد الله فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله فقالوا : شرنا وابن شرنا انتقصوه . قال : هذا ما كنت أخاف يا رسول الله وأحذر . قال سعد بن أبي وقاص :