" الله خلق كل شيء وهو على شيء وكيل له مقاليد السموت والأرض والذين كفروا بئايت الله أولئك هم الخسرون " " له مقاليد السموت والأرض " أي هو مالك أمرها وحافظها وهو من باب الكناية لأن حافظ الخزائن ومدبر أمرها هو الذي يملك مقاليدها ومنه قول فلان ألقيت إليه مقاليد الملك وهي مفاتيح ولا واحد لها من لفظها . وقيل : مقليد . ويقال : إقليد وأقاليد والكلمة أصلها فارسية . فإن قلت : ما للكتاب العربي المبين وللفارسية ؟ قلت : التعريب أحالها عربية كما أخرج الاستعمال المهمل من كونه مهملا فإن قلت : بم اتصل قوله : " والذين كفروا " قلت : بقوله : " وينجي الله الذين اتقو " أي ينجي الله المتقين بمفازتهم والذين كفروا هم الخاسرون . واعترض بينهما بأنه خالق الأشياء كلها . وهو مهيمن عليها فلا يخفى عليه شيء من أعمال المكلفين فيها يستحقون عليها من الجزاء وقد جعل متصلا بما يليه على أن كل شيء في السموات والأرض فالله خالقه وفاتح بابه والذين كفروا وجحدوا أن يكون الأمر كذلك أولئك هم الخاسرون وقيل : سأل عثمان رضي الله عنه رسول الله A عن تفسير قوله تعالى : " له مقاليد السموت والأرض " فقال : " يا عثمان ما سألني عنها أحد قبلك تفسيرها : لا إلا الله والله أكبر وسبحان الله وبحمده وأستغفر الله ولا حول ولا قوة إلا بالله هو الأول والآخر والظاهر والباطن بيده الخير يحي ويميت وهو على كل شيء قدير " وتأويله على هذا أن لله هذه الكلمات يوحد بها ويمجد وهي مفاتيح خير السموات والأرض من تكلم بها من المتقين أصابه والذين كفروا بآيات الله بكلمات توحيده وتمجيده أولئك هم الخاسرون .
" قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجهلون " " أفغير الله " منصوب بأعبد . و " تأمروني " اعتراض . رمعناه : أفغير الله أعبد بأمركم وذلك حين قال له المشركون : استلم بعض آلهتنا ونؤمن بإلهك . أو ينصب بما يدل عليه جملة قوله : " تأمروني أعبد " لأنه في معنى تعبدونني وتقولون لى : اعبد والأصل : تأمرونني أن أعبد فحذف أن ورفع الفعل كما في قوله : .
ألا أيها الزاجري أخضر الوغى .
ألا تراك تقول : أفغير الله تقولون لي أعبده وأفغير الله تقولون لي أعبد فكذلك أفغير الله تأمرونني أن أعبده . وأفغير الله تأمرونني أن أعبد والدليل على صحة هذا الوجه : قراءة من قرأ " أعبد " بالنصب . وقرىء : " تأمرونني " على الأصل . وتأمروني على إدغام النون أو حذفها .
" ولقد أوحى إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخسرين بل الله فاعبد وكن من الشكرين " قرىء : " ليحبطن عملك " وليحبطن : على البناء للمفعول . ولنحبطن بالنون والياء أي : ليحبطن الله . أو الشرك . فإن قلت : الموحى إليهم جماعة فكيف قال : " لئن أشركت " على التوحيد ؟ قلت : معناه أوحى إليك لئن أشركت ليحبطن عملك وإلى الذين من قبلك مثله أو أوحى إليك وإلى كل واحد منهم : لئن أشركت كما تقول : كسانا حلة أي : كل واحد منا . فإن قلت : ما الفرق بين اللامين ؟ قلت : الأولى موطئة للقسم محذوف والثاني لام الجواب وهذا الجواب ساد مسد الجوابين أعني : جوابي القسم الشرط فإن قلت : كيف صح هذا الكلام مع علم الله أن رسله لا يشركون ولا تحبط أعمالهم . قلت : هو على سبيل الفرض والمحالات يصح فرضها لأغراض فكيف بما ليس بمحال . ألا ترى إلى قوله : " ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا " يونس : 99 ، يعني على سبيل الإلجاء ولن يكون ذلك لامتناع الداعي إليه ووجود الصارف عنه . فإن قلت : ما معنى قوله : " ولتكونن من الخسرين " ؟ قلت : يحتمل ولتكونن من الخاسرين بسبب حبوط العمل . ويحتمل : ولتكونن في الآخرة من جملة الخاسرين الذين خسروا أنفسهم إن مت على الردة . ويجوز أن يكون غضب الله على الرسول أشد فلا يمهله بعد الردة ألا ترى إلى قوله تعالى : " إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات " الإسراء : 75 ، " بل الله فاعبد " رد لما أمروه به من استلام بعض آلهتهم كأنه قال : لا تعبد ما أمروك بعبادته بل إن كنت عاقلا فاعبد الله فحذف الشرط وجعل تقديم المفعول عوضا منه " وكن من الشكرين " على ما أنعم به عليك من أن جعلك سيد ولد آدم . وجوز الفراء نصبه بفعل مضمر هذا معطوف عليه تقديره : بل الله فأعبد فاعبد