" أنزل من السماء ماء " هو المطر . وقيل : كل ماء في الأرض فهو من السماء ينزل منها إلى الصخرة ثم يقسمه الله " فسلكه " فأدخله ونظمه " ينبيع في الأرض " عيونا ومسالك ومجاري كالعروق في الأجساد " مختلفا ألونه " هيئاته من خضرة وحمرة وصفرة وبياض وغير ذلك وأصنافه من بر وشعير وسمسم وغيرها " يهيج " يتم جفافه عن الأصمعي لأنه إذا تم جفافه حان له أن يثور عن منابته ويذهب " حطما " فتاتا ودرينا " إن في ذلك لذكرى " لتذكيرا وتنبيها على أنه لا بد من صانع حكيم وأن ذلك كائن عن تقدير وتدبير لا عن تعطيل وإهمال . ويجوز أن يكون مثلا للدنيا كقوله تعالى : " إنما مثل الحياة الدنيا " يونس : 24 ، " واضرب لهم مثل الحياة الدنيا " الكهف : 45 ، . وقرىء : " مصفارا " .
" أفمن شرح الله صدره للإسلم فهو على نور من ربه فويل للقسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلل مبين " " أفمن " عرف الله أنه من أهل اللطف فلطف به حتى انشرح صدره للإسلام ورغب فيه وقبله كمن لا لطف له فهو حرج الصدر قاسي القلب ونور الله : هو لطفه وقرأ رسول الله A هذه الآية فقيل : يا رسول الله كيف انشراح الصدر ؟ قال : " إذا دخل النور القلب انشرح وانفسح " فقيل : يا رسول الله فما علامة ذلك ؟ قال : الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والتأهب للموت قبل نزول الموت وهو نظير قوله : " أمن هو قانت " الزمر : 9 ، في حذف الخبر " من ذكر الله " من أجل ذكره أي : إذا ذكر الله عندهم أو آياته اشمأزوا وازدادت قلوبهم قساوة كقوله تعالى : " فزادتهم رجسا إلى رجسهم " التوبة : 125 ، . وقرىء : " عن ذكر الله " فإن قلت : ما الفرق بين من وعن في هذا ؟ قلت : إذا قلت : قسا قلبه من ذكر الله فالمعنى ما ذكرت من أن القسوة من أجل الذكر وبسببه وإذا قلت : عن ذكر الله فالمعنى : غلظ عن قبول الذكر وجفا عنه . ونظيره : سقاه من العيمة أي من أجل عطشه وسقاه عن العيمة : إذا أرواه حتى أبعمه عن العطش .
" الله نزل أحسن الحديث كتب متشبها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد " عن ابن مسعود رضي الله عنه : أن أصحاب رسول الله A ملوا ملة فقالوا له : حدثنا فنزلت وإيقاع اسم الله مبتدأ وبناء " نزل " عليه : فيه تفخيم لأحسن الحديث ورفع منه واستشهاد على حسنه وتأكيد لاستناده إلى الله وأنه من عنده وأن مثله لا يجوز أن يصدر إلا عنه وتنبيه على أنه وحي معجز مباين لسائر الأحاديث . و " كتب " بدل من أحسن الحديث . ويحتمل أن يكون حالا منه " متشبها " مطلق في مشابهة بعضه بعضا فكان متناولا لتشابه معانيه في الصحة والإحكام والبناء على الحق والصدق ومنفعة الخلق وتناسب ألفاظه وتناصفها في التخير والإصابة وتجاوب نظمه وتأليفه في الإعجاز والتبكيت ويجوز أن يكون " مثاني " بيانا لكونه متشابها لأن القصص المكررة لا تكون إلا متشابهة . والمثاني : جمع مثنى بمعنى مردد مكرر لما ثنى من قصصه وأنبائه وأحكامه وأوامره ونواهيه ووعده ووعيده ومواعظه . وقيل : لأنه يثنى في التلاوة فلا يمل كما جاء في وصفه لا يتفه ولا يتشان ولا يخلق على كثرة الرد . ويجوز أن يكون جمع مثنى مفعل من التثنية بمعنى التكرير والإعادة كما كان قول تعالى : " ثم ارجع البصر كرتين " الملك : 4 ، بمعنى كرة بعد كرة وكذلك : لبيك