" وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون وخلقنا لهم من مثله ما يركبون وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم ولا هم ينقذون إلا رحمة منا ومتاعا إلى حين " " ذريتهم " أولادهم ومن يهمهم حمله . وقيل : اسم الذرية يقع على النساء لأنهن مزارعها وفي الحديث : أنه نهى عن قتل الذراري يعني النساء . " من مثله " من مثل الفلك " ما يركبون " من الإبل وهي سفائن البر وقيل " الفلك المشحون " سفينة نوح ومعنى حمل الله ذرياتهم فيها : أنه حمل فيها آباءهم الأقدمين وفي أصلابهم هم وذرياتهم وإنما ذكر ذرياتهم دونهم لأنه أبلغ في الامتنان عليهم وأدخل في التعجيب من قدرته في حمل أعقابهم إلى يوم القيامة في سفينة نوح . و " من مثله " من مثل ذلك الفلك ما يركبون من السفن والزوارق " فلا صريخ " لا مغيث . أو لا إغاثة . يقال : أتاهم الصريخ " ولا هم ينقذون " لا ينجون من الموت بالغرق " إلا رحمة " إلا لرحمة منا ولتمتيع بالحياة " إلى حين " إلى أجل يموتون فيه لا بد لهم منه بعد النجاة من موت الغرق . ولقد أحسن من قال : .
ولم أسلم لكي أبقى ولكن ... سلمت من الحمام إلى الحمام .
وقرأ الحسن رضي الله عنه : " نغرقهم " .
وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم لعلكم ترحمون وما تأتيهم من ءاية من ءايت ربهم إلا كانوا عنها معرضين " " اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم " كقوله تعالى : " أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض " سبأ : 9 ، وعن مجاهد : ما تقدم من ذنوبكم وما تأخر . وعن قتادة : ما بين أيديكم من الوقائع التي خلت يعني من مثل الوقائع التي ابتليت بها الأمم المكذبة بأنبيائها وما خلفكم من أمر الساعة " لعلكم ترحمون " لتكونوا على رجاء رحمة الله . وجواب إذا محذوف مدلول عليه بقوله : " إلا كانوا عنها معرضين " فكأنه قال : وإذا قيل لهم اتقوا أعرضوا . ثم قال : ودأبهم الإعراض عند كل آية وموعظة .
" وإذا قيل لهم انفقوا مما رزقكم الله قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه إن أنتم إلا في ضلال مبين " كانت الزنادقة منهم يسمعون المؤمنين يعلقون أفعال الله تعالى بمشيئته فيقولون : لو شاء الله لأغنى فلانا ولو شاء لأعزه ولو شاء لكان كذا فأخرجوا هذا الجواب مخرج الاستهزاء بالمؤمنين وبما كانوا يقولونه من تعليق الأمور بمشيئة الله . ومعناه : أنطعم المقول فيه هنا القول بينكم وذلك أنهم كانوا دافعين أن يكون الغنى والفقر من الله لأنهم معطلة لا يؤمنون بالصانع وعن ابن عباس Bهما : كان بمكة زنادقة فإذا أمروا بالصدقة على المساكين قالوا : لا والله أيفقره الله ونطعمه نحن ؟ وقيل : كانوا يوهمون أن الله تعالى لما كان قادرا على إطعامه ولا يشاء إطعامه فنحن أحق بذلك . نزلت في مشركي قريش حين قال فقراء أصحاب رسول الله A : أعطونا مما زعمتم من أموالكم أنها لله يعنون قوله : " وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا " الأنعام : 136 ، فحرموهم وقالوا : لو شاء الله لأطعمكم .
" إن أنتم إلا في ضلال مبين " قول الله لهم . أو حكاية قول المؤمنين لهم . أو هو من جملة جوابهم للمؤمنين .
" ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون " قرىء " يخصمون " بإدغام التاء في الصاد مع فتح الخاء وكسرها وإتباع الياء الخاء في الكسر ويختصون على الأصل . ويخصمون من خصمه . والمعنى : أنها تبغتهم وهم في أمنهم وغفلتهم عنها لا يخطرونها ببالهم مشتغلين بخصوماتهم في متاجرهم ومعاملاتهم وسائر ما يتخاصمون فيه ويتشاجرون . ومعنى يخصمون : يخصم بعضهم بعضا وقيل : تأخذهم وهم عند أنفسهم يخصمون في الحجة في أنهم لا يبعثون " فلا يستطيعون " أن يوصوا شيء من أمورهم " توصية " ولا يقدرون على الرجوع إلى منازلهم وأهاليهم بل يموتون حيث تفجؤهم الصيحة .
ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون "