" ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم لا يرجعون وإن كل لما جميع لدينا محضرون " " ألم يروا " ألم يعلموا وهو معلق عن العمل في " كم " لأن كم لا يعمل فيها عامل قبلها كانت للاستفهام أو للخبر لأن أصلها الاستفهام إلا أن معناه نافذ في الجملة كما نفذ في قولك : ألم يروا إن زيدا لمنطلق وإن لم يعمل في لفظه . و " أنهم إليهم لا يرجعون " بدل من " كم أهلكنا " على المعنى لا على اللفظ تقديره : ألم يروا كثرة إهلاكنا القرون من قبلهم كونهم غير راجعين إليهم . وعن الحسن كسر إن على الاستئناف . وفي قراءة ابن مسعود : " ألم يروا من أهلكنا " والبدل على هذه القراءة بدل اشتمال وهذا مما يرد قول أهل الرجعة . ويحكى عن ابن عباس Bهما أنه قيل له : إن قوما يزعمون أن عليا مبعوث قبل يوم القيامة فقال : بئس القوم نحن إذن : نكحنا نساءه وقسمنا ميراثه . " لما " قرىء : " لما " بالتخفيف على أن ما صلة للتأكيد " وإن " مخففة من الثقيلة وهي متلقاة باللام لا محالة . و " لما " بالتشديد بمعنى : إلا كالتي في مسألة الكتاب . نشدتك بالله لما فعلت وإن نافية والتنوين في " كل " هو الذي يقع عوضا من المضاف إليه كقولك : مررت بكل قائما . والمعنى أن كلهم محشورون مجموعون محضرون للحساب يوم القيامة . وقيل : محضرون معذبون . فإن قلت : كيف أخبر عن كل بجميع ومعناهما واحد ؟ قلت : ليس بواحد ؟ لأن كلا يفيد معنى الإحاطة وأن لا ينفلت منهم أحد والجميع : معناه الاجتماع وأن المحشر يجمعهم . والجميع : فعيل بمعنى مفعول يقال حي جميع وجاؤا جميعا .
" وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلا يشكرون سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لايعلمون " القراءة الميتة على الخفة أشيع لسلسها على اللسان . و " أحييناها " استئناف بيان لكون الأرض الميتة آية وكذلك نسلخ ويجوز أن توصف الأرض والليل بالفعل لأنه أريد بهما الجنسان مطلقين لا أرض وليل بأعيانهما فعوملا معاملة النكرات في وصفهما با لأفعال ونحوه : .
ولقد أمر على اللئيم يسبني .
وقوله : فمنه يأكلون " بتقديم الظرف للدلالة على أن الحب هو الشيء الذي يتعلق به معظم العيش ويقوم بالارتزاق منه صلاح الإنس وإذا قل جاء القحط ووقع الضر وإذا فقد جاء الهلاك ونزل البلاء . قرىء : " وفجرنا " بالتخفيف والتثقيل والفجر والتفجير كالفتح والتفتيح لفظا ومعنى . وقرىء : " ثمره " بفتحتين وضمتين وضمة وسكون والضمير لله تعالى والمعنى : ليأكلوا مما خلقه الله من الثمر " و " من " ما عملته أيديهم " من الغرس والسقي والآبار وغير ذلك من الأعمال إلى أن بلغ الثمر منتهاه وإبان أكله يعني أن الثمر في نفسه فعل الله وخلقه وفيه آثار من كد بني ادم وأصله من ثمرنا كما قال : وجعلنا وفجرنا فنقل الكلام من التكلم إلى الغيبة على طريقة الالتفات . ويجوز أن يرجع إلى النخيل وتترك الأعناب غير مرجوع إليها لأنه علم أنها في حكم النخيل فيما علق به من أكل ثمره . ويجوز أن يراد من ثمر المذكور وهو الجنات كما قال رؤبة : .
فيها خطوط من بياض وبلق ... كأنه في الجلد توليع البهق .
فقيل له فقال : أردت كأن ذاك ولك أن تجعل " ما " نافية على أن الثمر خلق الله ولم تعمله أيدي الناس ولا يقدرون عليه . وقرىء على الوجه الأول وما عملت من غير راجع وهي في مصاحف أهل الكوفة كذلك وفي مصاحف أهل الحرمين والبصرة والشام مع الضمير " الأزوج " الأجناس والأصناف " ومما لا يعلمون ومن أزواج لم يطلعهم الله عليها ولا توصلوا إلى معرفتها بطريق من طرق العلم ولا يبعد أن يخلق الله تعالى من الخلائق الحيوان والجماد ما لم يجعل للبشر طريقا إلى العلم به لأنه لا حاجة بهم في دينهم ودنياهم إلى ذلك العلم ولو كانت بهم إليه حاجة لأعلمهم بما لا يعلمون كما أعلمهم بوجود ما لا يعلمون . وعن ابن عباس رضي الله عنهما : لم يسمهم . وفي الحديث :