ونحوه قوله تعالى : " أنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله " المائدة : 116 وقد علم سبحانه كون الملائكة وعيسى منزهين برآء مما وجه عليهم من السؤال الوارد على طريق التقرير والغرض أن يقول ويقولوا ويسأل ويجيبوا ؛ فيكون تقريعهم أشد وتعبيرهم أبلغ وخجلهم أعظم : وهو أنه ألزم ويكون اقتصاد ذلك لطفا لمن سمعه وزاجرا لمن اقتص عليه . والملاة : خلاف المعاداة . ومنها : اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وهي مفاعلة من الولي وهو القرب كما أن المعاداة من العداواء وهي العبد والولي : يقع على الموالي والموالي جميعا . والمعنى أنت الذي نواليه من دونهم إذ لا موالاة بيننا وبينهم فبينوا بإثبات موالاة الله ومعاداة الكفار : براءتهم من الرضا بعبادتهم لهم ؛ لأن من كان على هذه الصفة كانت حاله منافية لذلك " بل كانوا يعبدون الجن " يريدون الشياطين حيث أطاعوهم في عبادة غير الله . وقيل : صورت لهم الشياطين صور قوم من الجن وقالوا : هذه صور الملائكة فاعبدوها . وقيل : كانوا يدخلون في أجواف الأصنام إذا عبدت فيعبدون بعبادتها . وقرئ : نحشرهم ونقول بالنون والياء .
" فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعا ولا ضرا ونقول للذين ظلموا ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون " الأمر في ذلك اليوم لله وحده لا يملك فيه أحد منفعة ولا مضرة لأحد لأن الدار دار ثواب وعقاب والمثيب والمعاقب هو الله فكانت حالها خلاف حال الدنيا التي هي دار تكليف والناس فيها مخلى بينهم يتضارون ويتنافعون . والمراد : أنه لا ضار ولا نافع يومئذ إلا هو محده ثم ذكر معاقبته الظالمين بقوله : " ونقول للذين ظلموا " معطوفا على " لا يملك " .
" وإذا تتلى عليهم ءاياتنا بينات قالوا ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد ءاباؤكم وقالوا ما هذا إلا إفك مفترى وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم إن هذا إلا سحر مبين " الإشارة الأولى : إلى النبي A والثانية : إلى القرآن . والثالثة : إلى الحق . والحق أمر النبوة كله ودين الإسلام كما هو . وفي قوله : " وقال الذين كفروا " وفي أن لم يقل وقالوا وما في قوله : " للحق لما جاءهم " وما في اللاميين من اشارة إلى القائلين والمقول فيه وما في لما من المبادهة بالكفر : دليل على صدور الكلام عن إنكار عظيم وغضب شديد وتعجيب من أمرهم بليغ كأنه قال : وقال أولئك الكفرة المتمردون بجراءتهم على الله ومكابرتهم لمثل ذلك الحق النير قبل أن يذوقوه " إن هذا الكفرة المتمردون بجراءتهم على الله ومكابرتهم لمثل ذلك الحق النير قبل أن يذوقوه " إن هذا إلا سحر مبين " فبتوا القضاء على أنه سحر ثم بتوه على أنه بين ظاهر كل عاقل تأمله سماه سحرا .
" وما ءاتيناهم من كتب يدرسونها وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير وكذب الذين من قبلهم وما بلغوا معشار ما ءاتيناهم فكذبوا رسلي فكيف كان نكير "