قرئ : ميعاد يوم . وميعاد يوم . يوم الميعاد : ظرف الوعد من مكان أو زمان وهو ههنا الزمان . والدليل عليه قراءة من قرأ : ميعاد يوم فأبدل منه اليوم . فإن قلت : فما تأويل من أضافه إلى يوم أو نصب يوما ؟ قلت : أما الإضافة فإضافة تبيين كما تقول : سحق ثوب وبعير سانية . وأما نصب اليوم فعلى التعظيم يإضمار فعل تقديره : لكم ميعاد أعني التعظيم . فإن قلت : كيف انطبق هذا جوابا على سؤالهم ؟ قلت : ما سألوا عن ذلك وهم منكرون له إلا تعنتا ولا استرشادا فجاء الجواب على طريق التهديد مطابقا لمجئ السؤال على سبيل الإنكار والتعنت وأنهم مرصدون ليوم يفاجؤهم فلا يستطيعون تأخرا عنه ولا تقدما عليه .
" وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرءان ولا بالذي بين يديه ولو ترى إذ الظالمين موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول بقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين " الذي بين يديه : ما نزل قبل من كتب الله يروي : أن كفار مكة سألوا أهل الكتاب فأخبروهم أنهم يجدون صفة رسول الله A في كتبهم فأغضبهم ذلك وقرنوا إلى القرآن جميع ما تقدمه من كتب الله D في الكفر فكفروا بها جميعا . وقيل : الذي بين يديه يوم القيامة . والمعنى : أنهم جحدوا أن يكونوا القرآن من الله تعالى وأن يكون لما دل عليه من اإعادة للجزاء حقيقة ثم أخبر عن عاقبة أمرهم ومآلهم في الآخرة فقال لرسول E أو للمخاطب " ولو ترى " في الآخرة موقفهم وهم يتجاذبون أطراف المحادثة ويتراجعونها بينهم لرأيت العجيب فحذف الجواب . والمستضعفون : هم الأتباع والمستكبرون : هم الرؤوس والمقدمون .
" قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم هن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا هل يجزون إلا ما كانوا يعلمون " أولى الأسم أعني نحن حرف الإنكار ؛ لأن الغرض إنكار أن يكونوا هم الصادين لهم عن الإيمان وإثبات أنهم هم الذين صدوا بأنفسهم عنه وأنهم أتوا من قبل اختيارهم كأنهم قالوا : أنحن أجبرناكم وحلنا بينكم وبين كونكم ممكنين مختارين " بعد إذ جاءكم " بعد أن صممتم على الدخول في الإيمان وصحت نياتكم في اختياره ؟ بل أنتم منعتم أنفسكم حظها وآثرتم الضلال على الهدى وأطعتم آمر الشهوة دون آمر النهي فكنتم مجرمين كافرين لاختياركم لا لقولنا وتسويلنا . فإن قلت : إذ وإذا من الظروف اللازمة للظرفية فلم وقعت إذ مضافا إليها ؟ قلت : قد اتسع في الزمان ما لم يتسع في غيره فإضيف إليها الزمان كما أضيف إلى الجمل في قولك : جئتك بعد إذ جاء زيد وحينئذ ويومئذ وكان ذلك أوان الحجاج أمير وحين خرج زيد . لما أنكر المستكبرون بقولهم : " انحن صددناكم " أن يكونوا هم السبب في كفر المستضعفين وأثبتوا بقولهم : " بل مكر اليل والنهار " فأبطلوا بإضرابهم كأنهم قالوا : ما كان الإجرام من جهتنا بل من جهة مكركم لنا دائبا ليلا ونهارا وحملكم إيانا على الشرك واتخاذ الأنداد . ومعنى مكر الليل والنهار : مكركم في الليل والنهار بالتنوين ونصب الظرفين وبل مكر الليل والنهار بالرفع والنصب . أي تكرون الإغواء مكرا دائبا لا تفترون عنه فإن قلت : لم قيل : " قال الذين استكبروا " بغير عاطف ؛ وقيل : " وقال الذين استضعفوا " ؟ قلت : لأن الذين استضعفوا مر أولا كلامهم فجيء بالجواب محذوف العاطف على طريقة الاستئناف ثم جيء بكلام آخر للمستضعفين فعطف على كلامهم الأول . فإن قلت : من صاحب الضمير في " وأسروا " قلت : الجنس المشتمل على النوعين من المستكبرين والمستضعفين وهم الظالمون في قوله : " إذ الظالمون موقوفون عند ربهم " سبأ : 31 يندم المستكبرون على ضلالهم وإضلالهم والمستضعفون على ضلالهم واتباعهم المضلين " في أعناق الذين كفروا " أي في أعناقهم فجاء بالصريح للتنويه بذمهم وللدلالة على ماستحقوا به الأغلال . وعن قتادة : أسروا الكلام بذلك بينهم . وقيل : أسروا الندامة أظهروها وهو من الأضداد .
" وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين "