" قل " لمشركي قومك " ادعوا الذين " عبدتموهم من دون الله من الأصنام والملائكة وسميتموهم باسمه كما تدعون الله . والتجئوا إليهم فيما يعروكم كما تلتجؤون إليه . وانتظروا استجابتهم لدعائكم ورحمتهم كما تنتظرون وأن يستجيب لكم ويرحمكم ثم أجاب عنهم بقوله : " لا يملكون مثقال ذرة " من خير أو شر أو نفع أو ضر " في السموات ولا في الأرض وما لهم " في هذين الجنسين من شركة في الخلق ولا في الملك كقوله تعالى : " ما اشهدتهم خلق السموات والأرض " الكهف : 51 وما له منهم من عوين يعينه على تدبير خلقه يريد : أنهم على هذه الصفة من العجز والبعد عن أحوال الربوبية فكيف يصح أن يدعوا كما يدعى ويرجوا كما يرجى فإن قلت : أين مفعولا زعم ؟ قلت : أحدهما الضمير المحذوف الراجع منه إلى الموصول . وأما الثاني فلا يخلو إما أن يكون " من دون الله " أو " لا يملكون " أو محذوفا فلا يصح الأول لأن قولك : هم من دون الله لا يلتئم كلاما ولا الثاني لأنهم ما كانوا يزعمون ذلك فكيف يتكلمون بما هو حجة عليهم ؛ وبما لو قالوه ما هو حق وتوحيد ؟ فبقي أن يكون محذوفا تقديره : زعمتموهم آلهة من دون الله فحذف الراجع إلى الموصول كما حذف في قوله : " أهذا الذي بعث الله رسولا " الفرقان : 41 استخفافا لطول الموصول لصلته وحذف آلهة لأنه موصوف صفته " من دون الله " والموصوف يجوز حذفه وإقامة الصفة مقامه إذا كام مفهوما فإذا مفعولا زعم محذوفان جميعا بسببين مختلفين .
" ولا تنفع الشفاعة عند إلا لمن أذن له حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا مذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير " تقول : الشفاعة لزيد على معنى أنه الشافع كما تقول : الكرم لزيد : وعلى معنى أنه المشفوع له كما تقول : القيام لزيد فاحتمل قوله : " ولا تنفع الشفاعة عند إلالمن أذن له " أن يكون على أحد هذين الوجهين أي : لاتنفع الشفاعة إلا كائنة لمن أذن له من الشافعين ومطلقة له . أو لا تنفع الشفاعة إلا كائنة لمن أذن له أي : لشفيعه أو هي اللام الثانية في قولك : أذن لزيد لعمرو أي لأجله كأنه قيل : إلا لمن وقع الأذن للشفيع لأجله وهذا وجه لطيف وهو الوجه وهذا تكذيب لقولهم : هؤلاء شفعاؤنا عند الله . فإن قلت : بما اتصل قوله : " حتى إذا فزع عن قولبهم " ولأي شيء وقعت حتى غاية ؟ قلت : بما فهم من هذا الكلام من أن ثم انتظارا للإذن وتوقعا وتمهلا وفزعا من الراجين للشفاعة والشفعاء هل يؤذن لهم أو لا يؤذون ؟ وأنه لا يطلق الإذن إلا بعد ملي من الزمان وطول من التربص ومثل هذا الحال دل عليه قوله D " رب السموات والأرض وما بينهما الرحمن وقال صوابا " النبأ : 37 كأنه قيل : يتربصون ويتوقفون كليا فزعين وهلين حتى إذا فزع عن قلوبكم أي : كشف الفزع عن قلوب الشافعين المشفوعين لهم بكلمة يتكلم بها رب العزة في إطلاق إذن : تباشروا بذلك وسأل بعضهم بعضا " ماذا قال ربكم قالوا " قال " الحق " أي القول الحق وهو الإذن بالشفاعة لمن ارتضى . وعن ابن عباس Bهما عن النبي A : أغذا أذن لمن أذن أن يشفع فزعته الشفاعة . وقرئ أذن له أي أذن له الله وأذن له على البناء للمفعول . وقرأ الحسن : فزع مخففا بمعنى فزع . وقرئ : فزع على البناء للفاعل وهو الله وحده وفرغ أي : نفى الوجل عنها وأفنى من قولهم : فرغ الزاد إذا لم يبق منه شيء . ثم ترك ذكر الوجل وأسند إلى الجار والمجرور كما تقول : دفع إلى زيد إذا علم ما المدفوع وقد تخفف واصله : فرغ الوجل عنها أي : انتفى عنها وفني ثم حذف الفاعل وأسند إلى الجار والمجرور . وقرأك افرنقع عن قلوبهم بمعنى : انكشف عنها . وعن أبي علقمة أنه هاج به المرار فالتف عليه الناس فملا أفاق قال : ما لكم تكأكأتم علي تكأكأكم على ذي جنة ؟ افرنقعوا عني . والكلمة مركبة من حروف المفارقة مع زيادة العين كما ركب اقمطر من حروف القمط مع زيادة الراء . وقرئ : الحق بالرفع أي : مقولة الحق " وهو العلي الكبير " ذو العلو والكبرياء ليس لملك ولا نبي أنيتكلم ذلك اليوم إلا بإذنه وأن يشفع إلا لمن ارتضى .
" قل من يرزقكم من السموات والأرض قل الله وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين "