الجزء الأول .
مقدمة التفسير للعلامة الزمخشري .
بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله الذي أنزل القرآن كلاما مؤلفا منظما ونزله بحسب المصالح منجما وجعله بالتحميد مفتتحا وبالاستعانة مختتما واوحاه على قسمين متشابها ومحكما وفصله سورا وسوره آيات . وميز بينهن بفصول وغايات . وما هي إلا صفات مبتدئ مبتدع وسمات منشئ مخترع فسبحان من استأثر بالأولية والقدم ووسم كل شيء سواه بالحدوث عن العدم أنشأه كتابا ساطعا تبيانه . قاطعا برهانه وحيا ناطقا ببينات وحجج قرآنا عربيا غير ذي عوج مفتاحا للمنافع الدينية والدنيوية مصداقا لما بين يديه من الكتب السماوية معجزا باقيا دون كل معجز على وجه كل زمان دائرا من بين سائر الكتب على كل لسان في كل مكان أفحم به من طولب بمعارضته من العرب العرباء وأبكم به من تحدى به من مصاقع الخطباء فلم يتصد للإتيان بما يوازيه أو يدانيه واحد من فصحائهم ولم ينهض لمقدار أقصر سورة منه ناهض من بلغائهم على أنهم كانوا أكثر من حصى البطحاء وأوفر عددا من رمال الدهناء ولم ينبض منهم عرق العصبية مع اشتهارهم بالإفراط في المضادة والمضارة والقائهم الشراشر على المعازة والمعارة ولقائهم دون المناضلة عن أحسابهم الخطط وركوبهم في كل يرومونه الشطط إن أتاهم أحد بمفخرة أتوه بمفاخر وان رماهم بمأثرة رموه بمآثر وقد جرد لهم الحجة أولا والسيف آخرا فلم يعارضوا إلا السيف وحدة على أن السيف القاضب مخراق لاعب إن لم تمض الحجة حدة فما أعرضوا عن معارضة الحجة إلا لعلمهم أن البحر قد زخر فطم على الكواكب وأن الشمس قد أشرقت فطمست نور الكواكب .
والصلاة والسلام على خير من أوحى إليه حبيب الله أبي القاسم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم ذي اللواء المرفوع في بني لؤي . وذي الفرع المنيف في عبد مناف بن قصي المثبت بالعصمة المؤيد بالحكمة الشادخ الغزة الواضح التحجيل النبي الأمي المكتوب في التوراة والإنجيل وعلى آله الأطهار وخلفائه من الأختان والأصهار وعلى جميع المهاجرين والأنصار .
اعلم ان متن كل علم وعمود كل صناعة طبقات العلماء فيه متدانية وأقدام الصناع فيه متقاربة أو متساوية إن سبق العالم العالم لم يسبقه إلا بخطا يسيرة أو تقدم الصانع الصانع لم يتقدمه إلا بمسافة قصيرة وإنما الذي تباينت فيه الرتب وتحاكت فيه الركب ووقع فيه الاستباق والتناضل وعظم فيه التفاوت والتفاضل حتى انتهى الأمر إلى أمد من الوهم متباعد وترقى إلى أن عد ألف بواحد ما في العلوم والصناعات من محاسن النكت والفقر ومن لطائف معان يدق فيها مباحث للفكر ومن غوامض أسرار محتجبة وراء أستار لا يكشف عنها من الخاصة إلا أوحدهم وأخصهم وإلا واسطتهم وفصهم وعامتهم عماة عن إدراك حقائقها بأحداقهم عناة في يد التقليد لا يمن عليهم بجز نواصيهم واطلاقهم