وقال .
ورمل عزيف الجن في عقباته ... هزير كتضراب المغنين بالطبل .
وإذا كان القوم يعتقدون كلام الجن ومخاطباتهم ويحكون عنهم وذلك القدر المحكي لا يزيد أمره على فصاحة العرب - صح ما وصف عندهم من عجزهم عنه كعجز الإنس .
ويبين ذلك من القرآن أن الله تعالى حكى عن الجن ما تفاوضوا فيه من القرآن فقال وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضى ولوا إلى قومهم منذرين إلى آخر ما حكى عنهم فيما يتلوه .
فإذا ثبت أنه وصف كلامهم ووافق ما يعتقدونه من نقل خطابهم صح أن يوصف الشيء المألوف بأنه ينحط عن درجة القرآن في الفصاحة .
وهذان الجوابان أسد عندي من جواب بعض المتكلمين عنه بأن عجز الإنس عن القرآن يثبت له حكم الإعجاز فلا يعتبر غيره ألا ترى أنه لو عرفنا من طريق المشاهدة عجز الجن عنه فقال لنا قائل فدلوا على أن الملائكة تعجز عن الإتيان بمثله لم يكن لنا في الجواب غير هذه الطريقة التي قد بيناها .
وإنما ضعفنا هذا الجواب لأن الذي حكى وذكر عجز الجن والإنس عن الإتيان بمثله فيجب أن نعلم عجز الجن عنه كما علمنا عجز الإنس عنه ولو كان وصف عجز الملائكة عنه لوجب أن نعرف ذلك أيضا بطريقة .
فإن قيل أنتم قد انتهيتم إلى ذكر الإعجاز في التفاصيل وهذا الفصل إنما يدل على الإعجاز في الجملة .
قيل هذا كما أنه يدل على الجملة فإنه يدل على التفصيل أيضا فصح أن يلحق هذا القبيل كما كان يصح أن يلحق بباب الجمل