وليس هذا بأعجب مما ذهب إليه فريق منهم أن الكل قادرون على الإتيان بمثله وإنما يتأخرون عنه لعدم العلم بوجه ترتيب لو تعلموه لوصلوا إليه به .
ولا بأعجب من قول فريق منهم إنه لا فرق بين كلام البشر وكلام الله تعالى في هذا الباب وإنه يصح من كل واحد منهما الإعجاز على حد واحد .
فإن قيل فهل تقولون بأن غير القرآن من كلام الله D معجز كالتوراة والإنجيل والصحف .
قيل ليس شيء من ذلك بمعجز في النظم والتأليف وإن كان معجزا كالقرآن فيما يتضمن من الإخبار عن الغيوب .
وإنما لم يكن معجزا لأن الله تعالى لم يصفه بما وصف به القرآن ولأنا قد علمنا أنه لم يقع التحدي إليه كما وقع التحدي إلى القرآن .
ولمعنى آخر وهو أن ذلك اللسان لا يتأتى فيه من وجوه الفصاحة ما يقع به التفاضل الذي ينتهي إلى حد الإعجاز ولكنه يتقارب وقد رأيت أصحابنا يذكرون هذا في سائر الألسنة ويقولون ليس يقع فيها من التفاوت ما يتضمن التقديم العجيب ويمكن بيان ذلك بأنا لا نجد في القدر الذي نعرفه من الألسنة للشيء الواحد من الأسماء ما نعرف من اللغة وكذلك لا نعرف فيها الكلمة الواحدة تتناول المعاني الكثيرة على ما تتناوله العربية وكذلك التصرف في الاستعارات والإشارات ووجوه الاستعمالات البديعة التي يجئ تفصيلها بعد هذا .
ويشهد لذلك من القرآن أن الله تعالى وصفه بأنه بلسان عربي مبين وكرر ذلك في مواضع كثيرة ويبين أنه رفعه عن أن يجعله أعجميا .
فلو كان يمكن في لسان العجم إيراد مثل فصاحته لم يكن ليرفعه عن هذه المنزلة وأنه وإن كان يمكن أن يكون من فائدة قوله إنه عربي مبين أنه مما يفهمونه ولا يفتقرون فيه إلى الرجوع إلى غيرهم ولا يحتاجون في تفسيره إلى سواهم فلا يمتنع أن يفيد ما قلناه أيضا كما أفاد بظاهره ما قد مناه .
وبين ذلك أن كثيرا من المسلمين قد عرفوا تلك الألسنة وهم من أهل