فلن يجوز - والحال هذه - أن يتغافلوا عن معارضته لو كانوا قادرين عليها تحداهم أو لم يتحدهم إليها .
ولو كان هذا لقبيل مما يقدر عليه البشر لوجب في ذلك أمر آخر وهو أنه لو كان مقدورا للعباد لكان قد اتفق إلى وقت مبعثه من هذا القبيل ما كان يمكنهم أن يعارضوه به وكانوا لا يفتقرون إلى تكلف وضعه وتعمل نظمه في الحال .
فلما لم نرهم احتجوا عليه بكلام سابق وخطبة متقدمة ورسالة سالفة ونظم بديع ولا عارضوه به فقالوا هذا أفصح مما جئت به وأغرب منه أو هو مثله - علم أنه لم يكن إلى ذلك سبيل وأنه لم يوجد له نظير .
ولو كان وجد له مثل لكان ينقل إلينا ولعرفناه كما نقل إلينا أشعار أهل الجاهلية وكلام الفصحاء والحكماء من العرب وأدى إلينا كلام الكهان وأهل الرجز والسجع والقصيد وغير ذلك من أنواع بلاغاتهم وصنوف فصاحاتهم .
فإن قيل الذي بنى عليه الأمر في تثبيت معجزة القرآن أنه وقع التحدي إلى الإتيان بمثله وأنهم عجزوا عنه بعد التحدي إليه فإذا نظر الناظر وعرف وجه النقل المتواتر في هذا الباب وجب له العلم بأنهم كانوا عاجزين عنه وما ذكرتم يوجب سقوط تأثير التحدي وأن ما أتى به قد عرف العجز عنه بكل حال .
قيل إنما احتيج إلى التحدي لإقامة الحجة وإظهار وجه البرهان على الكافة لأن المعجزة إذا ظهرت فإنما تكون حجة بأن يدعيها من ظهرت عليه ولا تظهر على مدع لها إلا وهي معلومة أنها من عند الله فإذا كان يظهر وجه الإعجاز فيها للكافة بالتحدي وجب فيها التحدي لأنه تزول بذلك الشبهة عن الكل وينكشف للجميع أن / العجز واقع عن المعارضةوإلا كان مقتضى ما قدمناه من الفصل أن من كان يعرف وجوه الخطاب ويفتن في مصارف الكلام وكان كاملا في فصاحته جامعا للمعرفة بوجوه الصناعة - لو أنه احتج عليه بالقرآن وقيل له إن الدلالة على النبوة والآية للرسالة ما تلوته عليك منه